وائل نجم

  مع إقفال باب تسجيل اللوائح الانتخابية لدى وزارة الداخلية ليل الاثنين – الثلاثاء الماضي وخروج بقية المنافسين المنفردين من حلبة السباق الانتخابي، باتت التحالفات واضحة، واللوائح ثابتة حتى مساء السادس من أيار المقبل، أو ربما لما بعد ذاك التاريخ. المهم أنه مع إقفال باب تسجيل اللوائح، بدأت الحملات الإعلامية والانتخابية للمرشحين واللوائح والقوى السياسية، لكن اللافت في هذه الحملات، خاصة لدى القوى السياسية الأساسية، أي التي تتمتع بحضور واسع في الندوة النيابية الحالية، أو تلك التي رشّحت عدداً كبيراً من المرشحين في أغلب الدوائر، وتلك التي كانت وما زالت جزءاً من السلطة في المرحلة السابقة، ويمكن أيضاً أن تكون جزءاً من السلطة في المرحلة المقبلة بعد الانتخاب، أن حملاتها الدعائية أو الانتخابية ركّزت على الماضي، وعلى التخوين والاتهامات للأطرف الأخرى، وأحياناً كثيرة على الوعود الكبيرة والكثيرة والفضفاضة للناخبين، أكثر مما ركّزت على معالجة الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون بشكل واقعي وموضوعي وعلمي، في محاولة لإثارة الناخبين غرائزياً من ناحية، ودفعهم إلى التصويت لها في الانتخابات المقبلة على قاعدة الاصطفافات التي دفعنا ثمنها - نحن المواطنين - ثمناً كبيراً، وما زلنا، أو لدغدغة مشاعرهم وطموحاتهم من خلال الوعود التي سرعان ما تذهب أدراج الرياح.
عند إطلاق لائحة المستقبل في بيروت، وكذلك في طرابلس وعكار، استعاد رئيس التيار، الرئيس سعد الحريري، الحقبة الماضية، واستعان بالأحداث التي حصلت خلال العقد الأخير، وأراد أن يشعل ذاكرة اللبنانيين، من ناخبيه خصوصاً، بجريمة اغتيال والده، الشهيد رفيق الحريري، في عام 2005، وكذلك دخول «حزب الله» إلى العاصمة بيروت في 7 أيار 2008 عسكرياً، فساق الاتهامات المسبقة بالخيانة لكل من يفكر في انتخاب غير لوائحه في بيروت أو طرابلس أو عكار، وكأن مسألة انتخاب لوائح المستقبل هي الميزان الوطني الذي على أساسه تُفحَص صدقية الانتماء الوطني أو خيانة الوطن، وفي ذلك اتهام مسبق لشريحة واسعة من اللبنانيين، لها خياراتها الحرّة، في انتخاب من تراه مناسباً لقيادة المرحلة المقبلة، بالخيانة، وهذا أمر خطير على حياة وحرية ومستقبل الناخبين، إذ كيف يجوز أن يتهم أي مواطن ناخب بالخيانة لمجرد إبداء رأيه في صندوق الانتخاب بحرية، ووفقاً لما يراه مناسباً؟! ثم أليس في ذلك محاولة للتأثير بخيارات الناخبين؟ وهل يسمح القانون بمثل هذه الدعايات أو الاتهامات أو المواقف؟
وعلى المقلب الآخر لهذا التخوين، قرأنا أيضاً في أكثر من مكان، أن الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصرالله، أطلق مواقف انتخابية لا تقلّ خطورة وتخويناً من مواقف الرئيس الحريري. فقد قيل إن نصر الله اتهم كل من سيصوّت ضد لائحة حزبه في البقاع الشمالي (بعلبك – الهرمل) بأنه سيصوّت لتنظيمي «داعش» و«النصرة»،  وهذا اتهام خطير جداً يتجاوز مسألة التخوين، لأنه يتهم الناخبين الذين سيصوتون ضده بأنهم يغطّون «الإرهاب» ويمنحونه شرعية في هذه المنطقة،  فضلاً عن أنه يتهم منافسيه بـ«الدعشنة» و«النصرنة» (نسبة إلى النصرة)، وهذا اتهام أخطر أيضاً وفيه نوع من التأثير الكبير، إذا لم نقل التخويف، على المرشحين المنافسين، وعلى الناخبين على حد سواء. وهنا أيضاً نسأل: أين القانون؟ وأين المساءلة؟ وهل يتساوى المرشحون أمام هذا الكم والكيل الهائل من الاتهامات بالتخوين وتغيطة «الإرهاب»؟ وبالطبع لا نريد أن ندخل إلى إلقاء المسؤولية وتقاذفها في ما بينهم في مسألة التقصير والإهمال والفساد في موضوع الأزمات التي تعاني منها البلاد في الكهرباء والمياه والنفايات والطرقات والمستشفيات والجامعات وغيرها من الأمور الكثيرة، وهم الذين كانون وما زالوا شركاء في القبض على كل مقاليد السلطة على مدى السنوات الأخيرة.
نسأل هؤلاء، بدل أن تحصل عملية التخوين والاتهامات الخطيرة تلك، وبدل نبش الماضي وسلبياته وسيئاته وصفحاته السوداء التي عمّقت الخلاف بين اللبنانيين، وبدل التركيز على المعارك الوهمية التي لا تسمن الناخبين ولا تغنيهم من جوع، لماذا لا يكون التركيز على البرامج الواقعية؟ لماذا لا يكون التعهد المسبق والخطي وأمام الرأي العام والناخبين بالاستقالة من المسؤولية في حال الفشل في إدارة مؤسسات الدولة للخروج من الأزمات المتلاحقة؟ لماذا لا يُتجاوز الماضي وسلبياته والتركيز على المستقبل (الأيام المقبلة) لبناء دولة المواطن والمؤسسات في لبنان؟ أم أن هؤلاء لا يعرفون أن يعيشوا ويقتاتوا إلا على الماضي وسلبياته، بينما  المطلوب هو التطلع إلى المستقبل (الأيام المقبلة) وإيجابياته؟
الناخبون أمام مسؤولية كبيرة في السادس من أيار المقبل، هي مسؤولية اتخاذ الموقف والقرار الذي يضع البلد على سكّة الحلول والخروج من الأزمات من خلال تجاوز الماضي وأصحابه، والتطلع إلى المقبل من الأيام، علّنا نبني وطناً حقيقياً للأجيال القادمة.}