العدد 1385 / 6-11-2019

مازالت الساحة اللبنانية تعيش حالة من الشد والجذب بين مختلف الأطراف وخصوصا بين اركان السلطة اذ رغم الحراك الشعبي الكبير في الساحات وخصوصا يوم الاحد الماضي الذي كان كبيرا جدا وشمل مختلف المناطق اللبنانية ، مازال فريق "حزب الله" – التيار الوطني الحر يناور ويماحك ويحاول الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي سواء عبر بث الشائعات التي تتهم الحراك بالتبعية لهذه الجهة او تلك او بتلقي اموال من السفارات الأميركية والسعودية .. الخ ، او عبر التهديد والوعيد بالحرب الأهلية بسبب قطع الطرقات وهو ما ادى الى اتخاذ الجيش والقوى الامنية قرارا بفتح كل الطرقات بالقوة حتى لا تصل الأمور الى مالا تحمد عقباه .

وتترافق هذه التحركات لفريق "حزب الله" – التيار الوطني الحر مع تحركات سياسية لافتة تتمثل اولا في التأخير المتعمد للاعلان عن الاستشارات النيابية الملزمة من قبل رئيس الجمهورية بحجة انه ما من نص دستوري يلزم رئيس الجمهورية تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة ، وفي نفس الوقت يتم الاعلان عن استشارات يجريها رئيس الجمهورية من أجل الوصول الى تشكيلة حكومية جديدة حتى لا يتأخر التأليف بعد التكليف لأن البلد لا يحتمل تأخيرا في تأليف حكومة جديدة ، وهذا الامر يعيدنا الى ما قبل اتفاق الطائف ويسلب صلاحيات التأليف الحكومي من الرئيس المكلف وهو ما عبر عنه المكتب الاعلامي للنائب نهاد المشنوق بالقول : ان التأجيل المستمر لاجراء استشارات التكليف يدل على امرين : الاول ، مزيد من التمادي في تجاوز الدستور والاعراف ومحاولة الاستيلاء على صلاحيات الرئاسة الثالثة ، واظهارها في موقع المتلقي لشروط رئيس الجمهورية أو حزبه .

في ظل هذه الاجواء السياسية الملبدة : هل هناك من أمل بالوصول الى حلول وسط ترضي مختلف الأطراف ولا سيما الحراك الشعبي اللبناني الذي ثار على الطبقة السياسية الفاسدة ؟

تظهر المشاورات الجارية بين اهل الحكم ان فريق حزب الله – التيار الوطني الحر مازال يتعامل مع الامور من منطلق تجاهل ما جرى ويجري منذ 17 تشرين الاول الماضي حيث يرفض هذا الفريق الاعتراف بان المنتفضين في الشارع والذين يشكلون غالبية الشعب اللبناني لهم مطالب سياسية بالاضافة الى المطالب الأخرى مثل معالجة الوضعين المالي والاقتصادي ومكافحة الفساد المستشري في ادارات الدولة ، ويغيب عن أذهان هذا الفريق ان مطلب التغيير السياسي كان له الأولوية لدى الحراك الشعبي لأن كل ما وصلنا اليه من تردّ وفساد كان بسبب التسوية السياسية التي تمت بين الاطراف الحاكمة بعد انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية في 30 تشرين الاول 2016 ، وبالتالي فان التغيير السياسي له الاولوية في مطالب الناس ، ومع ذلك مازال فريق "حزب الله" – التيار الوطني الحر يناور ويماطل في الاستجابة للتغير الحكومي المطلوب , ويعمل على اعادة تشكيل حكومة جديدة تكون نسخة عن الحكومة السابقة تحت مسمى "حكومة سيادية" او حكومة تكنوسياسية , ويرفض رفضا تاما تشكيل حكومة مستقلة من اختصاصيين لانقاذ لبنان بحجة ان الوضع لا يسمح بذلك .

هذا ما يزيد الامور ارباكا وتأزما وخصوصا في ظل المراهنة على تعب الناس كما يجري في عملية فتح وقطع الطرقات ، وكذلك في محاولة الضغط على الرئيس الحريري من أجل القبول بتسوية جديدة تعيده الى السلطة ولكن بشروط لا تتناسب ومطالب الحراك الشعبي ، وفي هذا السياق يراهن "حزب الله" والتيار الوطني الحر على شخصية الرئيس سعد الحريري واستعداده للاستجابة لشروطهم كما جرى في السابق رغم حالة الاعتراض الشعبي والسياسي على التسوية السياسية السابقة التي دفع الحريري ثمنها في الانتخابات الماضية .

باختصار ، الحلول الوسط للأزمة السياسية القائمة مازالت بعيدة جداﹰ ، أولاﹰ لأن فريق "حزب الله" – التيار الوطني الحر مازال متمسكاﹰ بمواقفه السابقة لانتفاضة 17 تشرين اول ، وثانياﹰ لأن الرئيس الحريري غير قادر على القيام بتسوية سياسية جديدة تعيد انتاج التسوية القديمة لأن هناك رفضاﹰ كبيراﹰ لمثل هذه التسوية دولياﹰ واقليمياﹰ وقبل ذلك شعبياﹰ . فالى أين يتجه الوضع في لبنان ؟

بسام غنوم