العدد 1358 / 17-4-2019
بسام غنوم

تصاعدت المواقف المحذرة من خطورة الوضعين المالي والاقتصادي في لبنان على نحو لافت في الأيام القليلة الماضية ، واللافت في هذا الاطار ان من يقوم بالتحذير من خطورة الوضع الاقتصادي هو رئيس الحكومة سعد الحريري الذي قال : "اعمل مع معظم الأطراف السياسية من أجل أن يكون هناك اجماع كامل على الموازنة ، لأن خوفي ان يحصل هنا كما حصل في اليونان" ، وما حصل في اليونان في العام 2015 هو عجز الدولة من سداد ديونها وعدم قدرتها على دفع رواتب الموظفين في القطاع العام ، وهو ما ادى الى هروب المستثمرين وحصول اضرابات وشلل في مرافق الدولة وكادت اليونان تعلن افلاسها لولا تدخل الاتحاد الاوروبي لمساعدتها عبر حزمة مساعدات مالية واقتصادية كبيرة ولكن مقابل ذلك كان على اليونان القيام باجراءات تقشفية على مختلف الصعد ولا سيما على صعيد زيادة الضرائب وخفض رواتب القطاع العام وتقليص المكافأت والبدلات الممنوحة للموظفين الحكوميين ، وهذا ما تحدث عنه وزير الخارجية جبران باسيل فقال : "في الموازنة هناك قرارات صعبة ولهذا الاكثرية صامتون" وأضاف قائلاﹰ : "هناك من يجب ان ينبه الناس اليوم الى ان التخفيض المؤقت اذا لم يحصل فلن يبقى معاش لأحد" .

ويبدو من مواقف الرئيس سعد الحريري المحذرة من تحول لبنان الى يونان ثانية ، ومواقف الوزير باسيل الداعية الى تقبل "قرارات صعبة" في مشروع موازنة العام 2019 ان هناك اتفاقاﹰ بين الرؤساء الثلاثة : ميشال عون ، سعد الحريري ونبيه بري على القيام بخطوات انقاذية جراحية في موازنة العام 2019 لأننا امام "الفرصة الاخيرة" كما قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط .

فما هي هذه الاجراءات التقشفية التي يبشر بها اللبنانيين ، وهل هناك توافقاﹰ سياسياﹰ على القيام بها ؟

قبل تصريح الرئيس سعد الحريري الذي حذر فيه من انزلاق لبنان الى وضع اقتصادي شبيه بوضع اليونان في العام 2015 ، حذر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الحكومة والمسؤولين السياسيين في البلد من خطورة الاستمرار في الوضع المالي للدولة على ماهو عليه الآن ، وقال رياض سلامة ان الحكومة لم تقم حتى الآن بأية اجراءات اصلاحية في الاطار الاقتصادي كما تطالب الجهات الدولية والاقتصادية الداعمة للبنان ولا سيما الدول المانحة في مؤتمر سيدر1 ، وحذر من ارتفاع حجم القطاع العام نسبة الى الناتج ، الذي بلغ 35 بالمئة مقارنة ﺑ 17 في المئة قبل الحرب ، والسبب الرئيسي في ذلك كما يعلم الجميع هو اقرار سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام في العام 2018 قبل الانتخابات النيابية , في خطوة كانت تهدف لكسب الاصوات في الانتخابات ، وتلاها توظيف مايقارب العشرة آلاف موظف في مختلف ادارات الدولة لاسباب انتخابية بحتة ، فضلاﹰ عن زيادة الضرائب على القيمة المضافة والفوائد على الاموال المودعة في المصارف وغيرها من الاجراءات التي أوصلت لبنان الى هذا الوضع الحرج مالياﹰ واقتصادياﹰ .

وفي ظل هذا الوضع ماهي الاجراءات التقشفية التي يجري الحديث عنها من اجل النهوض بالوضعين المالي والاقتصادي ؟

بعد تصريح الوزير جبران باسيل عن خفض مؤقت للرواتب في القطاع العام ثارت ثائرة الموظفين في القطاع العام ودعت هيئة التنسيق النقابية الى اضراب عام وشامل في الادارات العامة والمدارس والمستشفيات ... الخ رفضاﹰ لهذه المواقف والتوجهات المزمع اتخاذها .

وقد اوضح مستشار "التيار الوطني الحر" للشؤون الاقتصادية شربل قرداحي ما قصده الوزير باسيل لناحية خفض الرواتب فقال ان "التيار" يعتمد "خفض نسبة الرواتب والأجور ضمن مجموعة اجراءات تبدأ برفع الواردات الضريبية عبر وقف التهرب الضريبي الواسع والتهريب ومعالجة أزمة الكهرباء وحسن ادارة الدين العام وخفض تكلفته وخفض الرواتب والأجور الى حجم الناتج المحلي من جهة ، وكلفة الدولة من جهة اخرى" وأكد "أننا نتكلم حصراﹰ عن الرواتب المرتفعة والرواتب العالية واصحابها لا يتعدى عددهم ال 10 في المئة من مجموع العاملين في القطاع العام بكل اجهزته واداراته" .

ويبدو من هذا الكلام للمستشار الاقتصادي للتيار الوطني الحر ان هذا التوجه التقشفي في موازنة 2019 قد اتفق عليه بنسبة كبيرة بين مختلف القيادات السياسية في البلد ، ويسجل في هذا الاطار اللقاءات الدورية التي يجريها الرئيس الحريري مع ممثلي القوى السياسية بمشاركة المساعد السياسي لأمين عام حزب الله حسين خليل في السراي الحكومي للبحث في حزمه الاجراءات التقشفية التي تزمع الحكومة القيام بها ، ويجري الحديث عن خفض نسبة العجز في مجمل الموازنة بما لا يقل عن 4 في المئة من دون التسبب بزلزال اجتماعي .

فهل ستنجح الطبقة السياسية التي اوصلت لبنان الى هذه الهوة في انقاذه من السقوط ام ان لبنان سينحدر الى وضع شبيه بأزمة اليونان الاقتصادية في العام 2015 ؟

بسام غنوم