العدد 1352 / 6-3-2019
بسام غنوم

تعيش الساحة اللبنانية حالة من القلق في ظل التوتر والخلافات التي تعصف بالعلاقة بين أركان الحكومة التي انطلقت على زغل , بعد مشكلة الصلاحيات التي أثارها العماد عون بعد الخلاف في مجلس الوزراء حول طبيعة العلاقة مع النظام السوري ، وبعد تسوية زوبعة الخلاف حول الصلاحيات الرئاسية التي استوعبها الرئيس سعد الحريري بصدره كما يقال وتأكيده ان لا خلاف بينه وبين العماد عون ، جاءت قضية ابطال المجلس الدستوري لنيابة ديما الجمالي في طرابلس والتي اعتبرها تيار المستقبل بلسان النائب بهية الحريري بمثابة "غدر سياسي" ، وهو ما أثار استياء الرئيس سعد الحريري الذي ما كاد ينتهي من قضية الصلاحيات وابطال نيابة جمالي حتى تقدم "حزب الله" عبر النائب حسن فضل الله المكلف من "حزب الله" بملف مكافحة الفساد باخبار الى المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم ادعى فيه ان هناك هدراﹰ وفساداﹰ في ملف اﻟ 11 مليار دولار خلال فترة رئاسة الحكومة من قبل الرئيس السنيورة في الفترة الممتدة بين السنوات 2006 و 2009 ، وهو ما رد عليه الرئيس السنيورة بالأرقام وانتهى الى القول "ان الفساد الأكبر والشر الأعظم هو الفساد السياسي ، ويعتبر فاسداﹰ كل من يقيم دويلات داخل الدولة .. ومن يسخر النصوص القانونية فيجعلها كالجواري في بلاط القوة الفائضة" .

وهنا يطرح السؤال التالي : هل أولويات القوى المشاركة في الحكومة هي معالجة الأزمة الاقتصادية ام تصفية الحسابات السياسية ؟

تبدو الحكومة اللبنانية بعد الجلسات الأولى لحكومة "الى العمل" منقسمة على نفسها فهناك من يريد معالجة الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان بأسرع وقت ممكن ، وهناك من يريد فتح معارك جانبية لتصفية حسابات سياسية تحت عنوان مكافحة الفاسد .

وفي هذا الاطار يبدو الرئيس سعد الحريري مهتماﹰ اكثر بمعالجة الوضع الاقتصادي اكثر من اهتمامه بالسجالات والمعارك السياسية التي تدار داخل الحكومة وعلى هامشها ، ولذلك سارع الرئيس الحريريالى استيعاب موقف الرئيس عون في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء التي عقدت في بعبدا والتي قال فيها الرئيس عون انه هو من يحدد المصلحة العليا للدولة رغم معرفته ان اتفاق الطائف اناط هذه المهمة برئيس الحكومة ومجلس الوزراء ، ومع ذلك لم يعلق الرئيس الحريري على موقف الرئيس عون وقال ان لا خلاف بينه وبين عون .

وفيما اعتبرت الأوساط المقربة من الرئيس عون ان موقفه المعلن في مجلس الوزراء هو من صلاحياته الدستورية ، انصرف الرئيس الحريري الى الاهتمام بتنفيذ مقررات مؤتمر "سيدر" وبحث خطة العمل لتنفيذ هذه المقررات التي حملها منسق مؤتمر "سيدر 1" السفير بيار دوكان المكلف من الرئاسة الفرنسية متابعة تنفيذ مقررات المؤتمر .

ولعل أبرز ما أعلنه السفير دوكان بعد زيارته الى لبنان ولقائه مع المسؤولين اللبنانيين هو قوله ان "الحكومة اللبنانية ليس لديها الكثير من الوقت لكي تبدأ الاصلاحات ... يجب تقديم خطة للاصلاحات في القطاعات المتفق عليها كي تكون الصورة واضحة عند المستثمرين لكسب ثقتهم" وأكد أنه "ليس صحيحاﹰ ان اموال سيدر ذهبت ، انها موجودة ولكن ليس للتوزيع او الصرف مجاناﹰ ، او بطريقة عشوائية" .

وقد ترافقت مواقف السفير دوكان مع ابقاء وكالة "ستانورد آند بورز" للتقييم الائتماني السيادي للبنان عند (B-) مع النظرة المستقبلية من مستقرة الى سلبية ، وهو ما يعكس حجم المخاطر التي تحيط بلبنان.

لكن رغم المواقف الاستيعابية للرئيس الحريري على صعيد الصلاحيات ورغم انصرافه الى معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف وتهدد حياة اللبنانيين ، مازال البعض في الحكومة يبحث عن اثارة المشكلات والاشكالات السابقة ومنها ملف اﻠ 11 مليار دولار الذي اعاد فتحه "حزب الله" مجدداﹰ رغم معرفته بطبيعة هذا الملف ، وان ملف الفساد في لبنان يشمل الجميع , وهو ملف يمكن البحث فيه لاحقاﹰ بعد معالجة أزمة لبنان الاقتصادية .

الا انه يبدو ان هناك قراراﹰ بتصفية الحسابات السياسية مع الرئيس الحريري وتيار المستقبل وكل فريق 14 آذار ، مع كل ما تلا فترة اغتيال الرئيس رفيق الحريري , وهذا يجري عبر اثارة ملف النازحين السوريين ، وعبر معركة الصلاحيات الرئاسية ، وايضاﹰ عبر فتح ما يسمى ﺑ "معركة مكافحة الفساد" .

فهل الحكومة الجديدة هي حكومة "الى العمل" ام حكومة تصفية الحسابات السياسية على حساب حياة اللبنانيين وامنهم واستقرارهم ؟

بسام غنوم