بسام غنوم

ما زال القانون الانتخابي الهمّ الشاغل لكل القوى السياسية، وإذا كانت عطلة الأعياد قد طغت على مجمل التحركات السياسية المتعلقة بقانون الانتخاب، فإن ذلك لم يمنع رئيس الجمهورية والحكومة من إطلاق تصريحات متفائلة بقرب الوصول الى تفاهم حول قانون جديد للانتخابات النيابية قبل 15 أيار القادم موعد الجلسة النيابية التي حددها الرئيس نبيه بري قبل اللجوء إلى تجرُّع سُمّ التمديد، كما قال، أو إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون الستين النافذ، لأن الفراغ خط أحمر كما أكد الرئيس بري.
في ظل هذه الأجواء تحركت الاتصالات السياسية على خجل بخصوص قانون الانتخاب، ويتركز الحديث حالياً حول قانون الانتخاب القائم على مرحلتين: الأولى للتأهيل، والثانية نسبية وفق دوائر أكثر من المحافظات وأقل من الأقضية.
لكن هذا المشروع يصطدم بالحسابات الطائفية والمذهبية، حيث وفق مشروع الوزير جبران باسيل، فإن التأهيل في المرحلة الأولى يجب أن يكون وفق القانون الأرثوذكسي، أي إن كل طائفة تنتخب نوابها، ومن ثم يجري الانتخاب في المرحلة الثانية، أي مرحلة النسبية وفق الدوائر الأكبر، سواء المحافظات أو أكثر أو أقل.
ورغم أن فكرة المشروع التأهيلي مقبولة بالمبدأ من معظم القوى السياسية، إلا ان هناك رفضاً لموضوع ان تنتخب كل طائفة نوابها في المرحلة الأولى، لأن ذلك بحسب المعترضين على مشروع الوزير باسيل يثير النعرات الطائفية والمذهبية بين اللبنانيين.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا كل هذه التعقيدات والاعتراضات التي تمنع الوصول إلى تفاهم حول قانون جديد للانتخابات؟
في هذا الإطار يمكن تقسيم الخلافات القائمة حول قانون الانتخاب الى قسمين: طائفي وسياسي.
أولاً: على الصعيد الطائفي
في هذا الإطار يحمل الوزير جبران باسيل شعار حماية حقوق المسيحيين في لبنان كأساس لمشروعه الانتخابي القائم أولاً على أساس أن تنتخب كل طائفة نوابها أولاً، ومن ثم من يتأهل للمرحلة الثانية ينتخب على أساس النسبية وفق الدائرة أو المحافظة.
وقد بدأت الحساسيات الطائفية تفعل فعلها في مختلف المناطق اللبنانية بسبب الشعارات الطائفية التي يتم رفعها دفاعاً عن «حقوق المسيحيين» حيث تسود في بعض المناطق والقرى نوع من الشوفينية المسيحية، إن صح التعبير، فلا يمكن أيّ مسلم شراء منزل أو قطعة أرض في منطقة أو قرية مسيحية، بحجة أن ذلك يهدد الوجود المسيحي، وحدثت أكثر من حادثة في هذا الإطار وأصبح ذلك من المسلمات في القرى والبلدات المسيحية، وكأن المسلمين في لبنان أصبحوا بمثابة الغرباء الذين يريدون ان يستولوا على أملاك المسيحيين وأراضيهم.
وقد بدأ هذا الجو الطائفي يترك أثره أيضاً على علاقة اللبنانيين في ما بينهم، سواء في ما يتعلق بالمراكز والوظائف في إدارات الدولة، أو بالعلاقات الشخصية. وبالأمس شهد البقاع جريمة مروعة سقط فيها شابان مسلمان يبيعان القهوة على يد أحد الشبان المسيحيين، وكادت تقع فتنة لا تحمد عقباها بين أهالي بلدة قب الياس لولا تدارك العقلاء من كلا الطرفين الأمور، وإن كان ذلك تم تجاوزه مؤقتاً، فإن أجواء التحريض الطائفي تتفاعل في أكثر من منطقة وعلى مستوى لبنان، كما كان الحال قبل الجلسة التي كانت مقررة في المجلس النيابي من أجل التمديد للمجلس، حيث وصلت الأمور من الناحية الطائفية الى الخط الأحمر، بل وتجاوزته. ولعل ذلك ما دفع الرئيس نبيه بري الى القبول بتأجيل الجلسة النيابية الى 15 أيار القادم أكثر من أي اعتبار آخر، وهذا مؤشر خطر على المستوى الطائفي الذي أصبح يهدد البلد ويكاد يطيح كل ما تحقق منذ البدء بتطبيق اتفاق الطائف عام 1990.
ثانياً: على الصعيد السياسي
النقطة الأساس في الخلاف السياسي القائم حول قانون الانتخاب هي أن القوىالسياسية التي تعتبر نفسها «أم الصبي» في لبنان تريد الوصول إلى قانون انتخابي يؤمن لها سلفاً أكبر عدد من المقاعد النيابية.
فالتيار الوطني الحر، وحزب القوات اللبنانية بطرحهما القانون المختلط يريدان الوصول إلى كتلة نيابية وازنة في المجلس النيابي تمثل الثلث المعطل وأكثر من ذلك بما يسمح لهما بالتحكم مستقبلاً بانتخابات رئاسة الجمهوريةص».
ولذلك تبدو كل القوانين الانتخابية التي طرحها الوزير باسيل وكأنها مفصلة على قياس تحالفهم مع حزب القوات اللبنانية، دونما اعتبار لباقي القوى والشخصيات المسيحية الأخرى.
أما «حزب الله» وحركة أمل فهما يطرحان النسبية الكاملة أو النظام المختلط من أجل الوصول إلى أكبر كتلة نيابية من مختلف الطوائف اللبنانية، وبذلك يستطيعان الامساك بالمجلس النيابي القادم بعدما وصل الى رئاسة الجمهورية العماد ميشال عون، ويصبح الطريق أمام «حزب الله» ممهداً للامساك بكل مفاصل الدولة اللبنانية.
وبالنسبة إلى «تيار المستقبل» فإن الأمور عنده غير واضحة على الاطلاق، فهو لا يعلن معارضته أو موافقته على أي مشروع انتخابي، ويترك الآخرين يتصارعون في ما بينهم.
وهذه السياسة التي يتبعها «المستقبل» يرى أنها الأفضل حالياً، وأنها ستسمح لها بإعادة تموضعه في إدارات الدولة أولاً، وعلى الصعيد الشعبي ثانياً، وبذلك يمكن أن يكسب في سياسة «نعم» ما لا يمكن تحقيقه في طرحه لأي قانون انتخابي، ويبدو ذلك واضحاً في إدارة الرئيس سعد الحريري للخلاف حول قانون الانتخاب، سواء في مجلس الوزرا ء، أو في حركة اتصالاته مع مختلف القوى السياسية.
يبقى أخيراً موقف النائب وليد جنبلاط الذي اسقط مشروع باسيل الأخير لأنه يحجّم الوجود الدرزي في الشوف وعاليه وبعبدا، ويكرّس الدروز كأقلية معزولة بين الطوائف الكبرى، ولذلك يرفض حتى الآن كل القوانين الانتخابية ويفضل العودة مجدداً لقانون الستين.
باختصار، قانون الانتخاب أسير الحسابات الطائفية والمذهبية، ولا يعلم أحد حتى الآن متى يتحقق التوصل الى قانون انتخاب جديد، أم هل المطلوب أصلاً الوصول إلى قانون جديد للانتخابات؟