العدد 1372 / 31-7-2019
قاسم قصير

مضى على اعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعدد من المسؤولين اللبنانيين والاحزاب السياسية الحرب على الفساد اكثر من عام ، لكن حتى الان لم يتحقق اي تقدم في هذا المجال ، فالفساد يزداد انتشارا في مؤسسات الدولة ، ومناقشة الموزانة لم تؤد الى اية نتائج عملية ، وحتى الان لم يتم استرداد الاموال المنهوبة الى خزينة الدولة ، ومحاكمات الفاسدين لم تشمل سوى عدد قليل من الموظفين والقضاةالذين لا حماية سياسية لهم ، في حين ان المسؤولين والموظفين المحميين لا يسمح بمحاكمتهم او اخذهم للقضاء.

فهل انتهت الحرب على الفساد الى الحائط المسدود ؟ واين دور مؤسسات المجتمع في هذه الحرب ؟ وهل هناك بصيص امل في مواجهة الفساد ومعالجة الازمات المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان في ظل الصراعات الطائفية والمذهبية والسياسية؟

الحرب على الفساد والحائط المسدود

بداية ماذا تحقق خلال العام الماضي منذ اعلان رئيس الجمهورية وعدد من المسؤولين والاحزاب الحرب على الفساد؟

المراقب لما جرى خلال العام الماضي بشأن الحرب على الفساد ، لا يلحظ اية اجراءات جدية في هذا المجال سوى الكشف عن بعض وجوه الفساد في مؤسسات الدولة وخصوصا بشأن التوظيف غير القانوني والاموال التي تصرف للجمعيات من قبل بعض المؤسسات ، اضافة للمعلومات والمعطيات التي يتحدث عنها المسؤولون والنواب وخصوصا خلال جلسة مناقشة الموازنة.

اما على الصعيد العملي ، فقد تم توقيف بعض الموظفين واحالة عدد قليل من القضاة الى المحاكمات ، ووقف التوظيفات غير القانونية، لكن بالمقابل لم تتم استعادة الاموال المنهوبة الى خزينة الدولة ، وتم تأجيل البحث في قطع الحساب خلال مناقشة الموازنة واعتبر هذا التأخير مخالفة دستورية، ولم نعرف اين اصبحت التحقيقات حول صرف الاموال العامة خلال السنوات الماضية.

لكن بالمقابل , لا يزال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزب الله وغيرهم من المسؤولين مصرون على الدعوة لمحاربة الفساد وان الايام المقبلة قد تحمل مؤشرات عملية في هذا الاطار ، وقد عمد العديد من القيادات السياسية والمواطنين والصحافيين والناشطين في الشأن العام الى نشر معلومات وتحقيقات ووثائق حول الفساد المستشري في العديد من المؤسسات الرسمية دون ان يؤدي ذلك الى تحرك جدي من قبل الجهات المعنية ، وكل ذلك يشعر المواطنين ان الحرب على الفساد وصلت الى الحائط المسدود وانه لن تحدث اية نتائج عملية في هذه المعركة في الافق المنظور.

دور مؤسسات المجتمع المدني

لكن في ظل عدم تحقيق الجهات الرسمية والحزبية اية نتائج عملية هامة في معركة الحرب على الفساد ، هل يمكن لمؤسسات المجتمع المدني والناشطين في مواجهة الفساد تحقيق خرق ما في هذه المعركة الصعبة؟

خلال السنوات الماضية برز العديد من الجمعيات والهيئات المدنية والاهلية والشبابية في الحرب على الفساد ، وكان ابرز تحرك في هذا المجال : المعركة بشأن فرز النفايات والتحرك الشعبي الكبير والذي كان له اصداء كبرى.

وبعد ذلك خاضت عدة مجموعات مدنية الانتخابات النبايبة الاخيرة لكنها لم تحقق اي حضور كبير بسبب الانقسامات والخلافات فيما بينها ، ونجحت النائبة بولا يعقوبيان في الوصول للمجلس النيابي مدعومة من حزب سبعة وعدد من مؤسسات المجتمع المدني لكنها عادت وانفصلت عن الحزب وبقيت تعمل مستقلة في هذه المعركة الى جانب عدد من النواب والاحزاب والناشطين.

وبموازة ذلك تشكلت عدة مجموعات من اجل مواصلة المعركة وابرزها " ملتقى حوار وعطاء بلا حدود" والذي يضم عددا كبيرا من الناشطين والاعلاميين والاطباء والضباط المتقاعدين والخبراء الماليين واساتذة الجامعات ، وهو يواصل القيام بعدد من الانشطة واللقاءات في معركة مواجهة الفساد ، وقد اقام ورشة هامة حول الاوضاع المالية قبل عدة اشهر، كما انه يستعد لاقامة ندوة واطلاق وثيقة خاصة حول مواجهة الفساد في اواخر شهر اب الحالي.

كما قام الخبير المالي والاقتصادي الاستاذ حسن خليل ( الناشر السابق لجريدة الاخبار) بحملة كبيرة لمواجهة الفساد ولفضح الازمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها البلد ، وقد اطلق حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتوقيع عريضة من اجل اصلاح النظام السياسي اللبناني ومعالجة الازمة المالية، وقد تجاوب معه مئات الاف المواطنين ، وقام بعقد مؤتمر صحفي لاعلان النتائج ، وهو يقوم بحملة اعلامية مستمرة لشرح مخاطر الوضع المالي والاقتصادي والدعوة الى التغيير الشامل ، لكن لم تستطع هذه الحملة تحقيق نتائج عملية حتى الان .

وهناك العديد من المؤسسات والهيئات المدنية والناشطين في مختلف المجالات (ومنهم وزراء سابقون ونواب وخبراء ومحامون) مستمرون بشرح وجوه الفساد ويدعون باستمرار للمعالجة ، لكن حتى الان ليست هناك نتائج مهمة ، وكل ذلك يتطلب اعادة مراجعة لهذه المعركة القاسية والبحث عن كيفية احداث خرق هام لنظام المحاصصة وتقاسم المكاسب بين مختلف القوى السياسية والحزبية.

فهل سنيأس من الاصلاح والمعالجة ؟ ام اننا نحتاج لمعالجات جذرية وغير تقليدية لهذه الازمة المستشرية؟ الجواب برسم كل من يحمل راية مكافحة الفساد ، والنقاس سيظل قائما حتى نشهد نتائج حقيقية في هذه المعركة التي توصف بانها اصعب من معركة مواجهة الاحتلال الصهيوني للبنان.

قاسم قصير