العدد 1386 / 13-11-2019

شكّل الحراك الشعبي اللبناني المستمر منذ 27 يوما تحديا كبيرا لحزب الله وحلفائه، فالحزب تفاجأ بهذا التحرك الشعبي الكبير والمستمر، والذي وصل الى اعماق المناطق التي له فيها حضور كبير، ولم يكن لدى الحزب في البداية رؤية كاملة وشاملة عن طبيعة التحرك وافاقه والاهداف التي يرغب بالوصول اليها ، لكن مع تدحرج الامور اصبحت الرؤية اكثر وضوحا وبدأ الحزب يتفاعل مع التطورات ويحاول استيعابها والتعاطي معها بتدرج من اجل الوصول الى معالجة للازمة الكبيرة , السياسية والاقتصادية التي كانت وراء الحراك.

فكيف ينظر الحزب الى هذا الحراك ؟ والى اين تتجه الامور مستقبلا وهل حانت الفرصة المناسبة للتغيير الشامل حسب اجواء الحزب؟

حزب الله وتطور الرؤية حول الحراك

يقول بعض المتابعين لاجواء حزب الله : ان الحزب تفاجأ بهذا الحراك الشعبي الكبير في مواجهة العهد والحكومة ، ففي اليومين الاولين للحراك كانت التقديرات ان ما يجري مجرد اعتراض على سياسة الحكومة والضرائب التي تفرض على الشعب ، ولذلك شارك الكثيرون من اجواء الحزب والمقربين منه في التحركات الشعبية وقطع الطرقات بهدف الضغط على وزير الاتصالات محمد شقير للتخلي عن الرسوم على الواتساب ، وعمد وزراء ونواب الحزب للتنصل من اية ضريبة قد تفرضها الحكومة، وكانت التوقعات ان تنتهي الامور والتحركات الشعبية في هذه الحدود ، لكن اتساع التحركات وامتدادها الى كافة المناطق اللبنانية وازدياد عدد المشاركين فيها شكّل مفاجأة كبرى للحزب وحلفائه ، خصوصا في ظل عدم توفر المعلومات والمعطيات عن وجود جهات داخلية او خارجية تقف وراء الحراك ، وهذا ما حرص على الاشارة اليه امين عام الحزب السيد حسن نصر الله في خطابه الاول حول الحراك.

وكانت خطة الحزب تقتضي العمل لاستيعاب الحراك الشعبي والاستفادة منه من اجل الضغط لاقرار الورقة الاصلاحية، مع الحفاظ على بقاء حكومة الرئيس سعد الحريري واجراء بعض التعديلات فيها بعد استقالة وزراء القوات اللبنانية، لكن تصاعد الحراك ودخول قوى سياسية وحزبية ومؤسسات المجتمع المدني وجهات خارجية على اجواء الحراك دفع الحزب للتخوف مما يجري والعمل لمواجهته ، والدفع باتجاه بقاء الحكومة الحريرية وعدم استقالتها ، والرد على الحراك عبر تفعيل العمل الحكومي وتنشيطه ، لكن استقالة الرئيس سعد الحريري وضعت الحزب امام تحد كبير ، خصوصا مع تزامن الحراك مع اقفال الطرقات وازدياد الضغوط الشعبية مما دفع قيادة الحزب لاطلاق التحذيرات والمخاوف مما يجري والدعوة لفتح الطرقات والتعاطي بحزم مع من يقفلها ، وشكل النزول الى ساحتي الشهداء ورياض الصلح وفتح جسر فؤاد شهاب من قبل انصار الحزب وحركة امل ، اضافة لمواجهة الاعتصام في مدينة النبطية نموذجا لما يمكن ان يحصل ، وكان قرار الجيش اللبناني بفتح الطرقات هو الطريق الاسلم لمنع تصاعد المواجهات وحصر التحركات في الساحات ، مع السعي لاعادة تشكيل الحكومة واستيعاب التحركات الشعبية سياسيا والعمل لتبني مطالب الحراك الواقعية وخصوصا موضوع مكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين ووضع رؤية اصلاحية جديدة.

فرصة التغيير الشامل

لكن الى اين تتجه الامور اليوم ؟ وهل ستنتهي التحركات من خلال تشكيل حكومة جديدة وتنفيذ الرؤية الاصلاحية الشاملة؟ ام اننا امام فرصة كبيرة للتغيير الشامل في السياسات الداخلية والخارجية؟

منذ عدة ايام كشفت دراسة استطلاعية اجراها المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق التابع للحزب ان 76% من اللبنانيين مع الحراك الشعبي ، وقد يكون لهذه الدراسة تأثير مهم في تغير نظرة قيادة الحزب نحو الحراك الشعبي ودفعته لتبني مطالب الحراك بوضوح والاعلان على لسان اكثر من مسؤول ان الحزب يتبنى معظم مطالب الحراك الاصلاحية، وجاء ذلك بشكل واضح على لسان نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم والذي قال في احد خطبه:

:"السؤال المركزي ما هو الحل؟ ومن أين نبدأ؟ البداية تكون بتشكيل حكومة قادرةٍ على معالجة القضايا وهي نقطة انطلاقٍ لا بدَّ منها، وبالتأكيد ستكون آثار الحراك الشعبي حاضرةً في تشكيل الحكومة ومؤثرة عليها".
لكن يجبُ أيضاً أن تكون للحكومة مقاربة مختلفة عن المقاربات السابقة، فلا يجوز الاكتفاء بالمقاربات والمتابعات العادية أو الملحة، بل يجبُ أن ترسم سياساتٍ زراعية وصناعية واقتصادية تعزز الإنتاج المحلي، وتهيئُ فرص العمل للشباب والخريجين وأن تضعِ خططاً لها توقيتٌ واضحٌ ومحدد، وأن تراجع واقع الإدارة وتفعِّل الأجهزة الرقابية لضبط الإنفاق وإيقاف الهدر والتهرّب والسرقة للمال العام، نحن نحتاج إلى ورشة حقيقية في بلدنا بأربعة مسارات متوازية تسير مع بعضها: أولاً تحرك القضاء وفتح الملفات وعدم إبقاء أي ملف في الجارور وعدم الطمس على الدعاوى المقِدمة. ثانياً ضرورة تفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش من أجل وضع حد للسُرّاق. ثالثاً العمل الحكومي مع تشكيل الحكومة ضمن برنامج محدد ومدروس له خططه وجداوله الزمنية. رابعاً التشريع النيابي المواكب لحاجات البلد. ولا عذر لأي مسار من المسارات الأربعة، أن يرمي الحمل على غيره، أو أن ينتظر المسار الآخر.

لكن مواقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه في احتفال يوم الشهيد جاءت اكثر وضوحا من خلال الدعوة لتبني سياسات داخلية وخارجية مختلفة كليا عما هو قائم اليوم والتي تتلخص بالذهاب نحو الكتلة الشرقية او الاوراسية ( الصين وروسيا وايران والعراق وسوريا ) على صعيد التعاون الاقتصادي ، فهل يعني ذلك اننا سنكون امام تغيير شامل في المقاربة ، وهل سيترافق ذلك مع تبني مشروع اصلاحي شامل على الصعيد الداخلي.

لاشي محسوم نهائيا لكن يبدو اننا سنكون امام مقاربات جديدة في المرحلة المقبلة من قبل حزب الله وحلفائه والخيارات ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات داخليا وخارجيا.

قاسم قصير