العدد 1402 / 26-2-2020

تشهد مختلف المناطق اللبنانية حوارات ونقاشات تقييمية حول الحراك الشعبي الذي انطلق في السابع عشر من تشرين الاول الماضي ولا يزال مستمرا حتى اليوم.

ورغم اختلاف تحديد طبيعة ما جرى ، وهل هو مجرد حراك شعبي او انتفاضة شعبية او ثورة شاملة ، فان معظم المشاركين في هذه الحوارات والنقاشات يؤكدون اهمية ما جرى وانعكاسه على الوضع السياسي ، لكن السؤال الاهم الذي يطرح في هذه اللقاءات الحوار : ما هو مستقبل هذا الحراك في المرحلة المقبلة ولا سيما في ظل تشكيل حكومة جديدة؟ وهل سيتجه الحراك نحو العنف المسلح او ما يسمى العنف الثوري ؟ او يضع خطة اصلاحية شاملة لتغيير النظام السياسي من خلال الاليات الدستورية؟

فماذا يدور في هذه الحوارات والنقاشات؟ والى اين تتجه الاوضاع في المرحلة المقبلة؟

مضمون الحوارات والنقاشات

بداية ما هي اهم النقاط والملفات حول الحراك الشعبي؟ وماذا تطرح القوى السياسية والحزبية بشأن الحراك الشعبي ؟

خلال الايام الماضية عقدت في عدد من المناطق اللبنانية سلسلة من الندوات واللقاءات الحوارية حول الحراك الشعبي والاسباب التي ادت اليه وما هي طبيعة ما جرى وهل هو مجرد حراك او انتفاضة او ثورة ، وما هي نتائجه حتى الان وما افق هذا الحراك في المرحلة المقبلة.

ومن هذه الانشطة اللقاء الحواري الموسع الذي اقامته مؤسسة بيت المستقبل التي يشرف عليها الرئيس امين الجميل في بلدة بكفيا وكان اللقاء بالتعاون مع مؤسسة كونراد الالمانية، وفي مدينة صيدا اقيم لقاء حوار بددعوة من هيئة الرعاية الاسلامية في نادي الفوربي في منطقة القياعة ، وفي مسرح المدينة في بيروت تم اطلاق لقاء التغيير الديمقراطي من اجل تحديد مشروع عمل للحراك الشعبي في المرحلة المقبلة،كما عقد ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ندوة موسعة حول الحراك الشعبي وهو ينشط لتفعيل دوره وجهوده الانقاذية، من جهتها الجماعة الاسلامية في لبنان اعدت ورقة عمل حول الحراك الشعبي تحضيرا للدعوة لعقد لقاء حواري موسع في شهر اذار المقبل ، كما اقام المجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الاسلامية وحوار الاديان في الضاحية الجنوبية سلسلة ندوات حول الحراك الشعبي والدولة المدنية،كما تقوم عدة جهات محلية ودولية واقليمية بعقد لقاءات تقييمية للحراك وافاقه ويتم اصدار الدراسات والابحاث عنه.

وفيما تحاول بعض الجهات والمجموعات التركيز على الاسباب السياسية والطائفية والاقتصادية والمالية ومشاكل الفساد كونها هي الدافع الاساسي للحراك الشعبي ، فان هناك من يعتبر ان حزب الله ومواقفه وعلاقاته بايران هي السبب الاساسي لما جرى وان الحل الوحيد مواجهة السيطرة او الهيمنة الايرانية على لبنان ، وبالمقابل فان جهات اخرى تركز على الدور الاميركي والاجنبي للتحريض على التحركات الشعبية للضغط على حزب الله وايران ، وهذا ما يبرز في مواقف المسؤولين الاميركيين.

افاق المستقبل

لكن ما هي افاق المستقبل للحراك الشعبي بعد اربعة اشهر من التحرك؟ وما هي الخيارات المطروحة لاستكمال الحراك في المرحلة المقبلة؟

في النقاشات والحوارات الدائرة حول الحراك الشعبي هناك اتجاهان اساسيان : الاول يدعو لتطوير الحراك من حراك سلمي الى اعتماد وسائل العنف او العنف الثوري لمواجهة تعنت السلطة وعدم تجاوبها مع مطالب الشعب ، كما يدعو البعض لزيادة الضغوط على حزب الله وايران بكل الوسائل الممكنة لانهما يتحملان مسؤولية ما جرى ، واما لاتجاه الثاني وهو الاتجاه الغالب لدى القوى السياسية والحزبية والاطراف المشاركة في الحراك فهو يدعو للتغيير السياسي والسلمي من خلال اصدار قانون انتخابات جديد والدعوة لتقليص ولاية المجلس الحالي والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة ، على ان يتزامن ذلك مع سلسبلة اجراءات قضائية وقانونية لمكافحة الفساد وتعزيز استقلالية القضاء واستعادة الاموال المنهوبة .

وقد يكون لقاء التغيير الديمقراطي الذي عقد يوم الماضي في مسرح المدينة اهم اشكال تأطير وتنظيم الحراك الشعبي ، لكن بعض المشاركين في اللقاء اشاروا الى وجود بعض التباينات حول ورقة العمل وخصوصا لجهة تبني الدعوة لقيام الدولة العلمانية او قانون مدني للاحوال الشخصية ، واما على صعيد الجماعة الاسلامية فهي وضعت تصورا شاملا لافاق المرحلة المقبلة وكيفية تطوير الحراك الشعبي مستقبلا ، وقد يكون اللقاء الحواري الذي تعد له الجماعة فرصة هامة لمناقشة شاملة للحراك الشعبي .

نحن اذن امام ورشة شعبية وسياسية تجري في كل المناطق اللبنانية وكل القوى السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الفكرية والبحثية معنية باستكمال هذه النقاشات من اجل تقييم ما جرى وووضع رؤية شاملة حول افاق المستقبل بعيدا عن المواقف المسبقة او اصدار الاتهامات تجاه فريق معين او جهة محددة ، فلبنان اليوم امام ازمة اقتصادية وسياسية واجتماعية ومالية والمخاوف من تطور الازمة كبيرة جدا وكل ذلك يتطلب المزيد من التعاون بين جميع الجهات لمواجهة هذه الازمة الخطيرة.

قاسم قصير