العدد 1374 / 21-8-2019
بسام غنوم

تعيش الساحة السياسية في لبنان حالة من الهدوء والترقب الحذر , بعد التوتر وحالة التجاذب السياسي الذي أفرزته حادثة قبرشمون , التي كادت تودي بلبنان الى المجهول لولا وعي بعض المرجعيات السياسية مثل الرئيس نبيه بري الذي لعب دوراﹰ حاسماﹰ في معالجات تداعيات حادثة قبرشمون على الصعيد الداخلي وكذلك تحرك سفراء الدول الكبرى ولا سيما السفارة الأميركية في بيروت التي اصدرت بياناﹰ حذرت فيه من استخدام القضاء في اللعبة السياسية من أجل النيل من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ، وهو ما دفع الأمور الى الحلحلة وعقد لقاء "المصارحة والمصالحة" في بعبدا بين وليد جنبلاط وطلال ارسلان برعاية وحضور الرؤساء عون وبري والحريري .

هذه الأجواء الايجابية التي عكسها لقاء "المصالحة والمصارحة" في بعبدا انعكست ايضاﹰ على الجانب الاقتصادي حيث وصلت الأمور الى مرحلة شديدة الخطورة اقتصادياﹰ بعد تصاعد حدة الخطاب السياسي على خلفية حادثة قبرشمون ، وهو ما دعا الى عقد لقاء اقتصادي موسع في قصر بعبدا ضم الرؤساء الثلاثة وحاكم مصرف لبنان وبعض الخبراء الاقتصاديين قبل اجتماع "المصالحة والمصارحة" بين جنبلاط وارسلان وهو ما دل على ان خطورة الوضع الاقتصادي لعبت ايضاﹰ دوراﹰ حاسماﹰ في العودة الى سياسة التهدئة في البلد , والى الواقعية السياسية ان صح التعبير في معالجة الخلافات المستحكمة بين مختلف الفرقاء سواء داخل الحكومة او على الصعيد السياسي العام .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل يمكن لحالة التهدئة السياسية القائمة حالياﹰ ان تستمر في ظل خطورة الوضع الاقتصادي الذي يعيشه لبنان ؟

شكلت زيارة الرئيس سعد الحريري الى العاصمة الأميركية واشنطن حدثاﹰ صادماﹰ على الساحة اللبنانية , سواء بتوقيتها الذي جاء بعد التوصل الى توافق على حل حادثة قبرشمون بالتي هي احسن , او لناحية اهميتها ولا سيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي .

فعلى الصعيد السياسي اتت الزيارة الى واشنطن في ظل تصاعد الصراع بين ايران والولايات المتحدة في منطقة مضيق هرمز التي وصلت الى حرب احتجاز الناقلات بين الطرفين ، وترافق ذلك مع ارتفاع التوتر في الخليج الى مستوى خطير جداﹰ ، ومع زيادة الاستقطاب السياسي ، ولم يكن لبنان بعيداﹰ عن هذا الاستقطاب فقد أعلن السيد حسن نصرالله في الذكرى اﻠ 13 لانتهاء العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز 2006 انه "لدينا محور مقاومه ممتد من فلسطين الى لبنان وسوريا والعراق وايران واليمن" وأضاف أن "الحرب على ايران يعني حرب كل محور المقاومة ، ويعني أن كل المنطقة ستشتعل" ، وكان يمكن لمثل هذا الموقف من قبل السيد نصر الله والرئيس الحريري في واشنطن ان يؤدي الى أزمة سياسية كبرى على الصعيد الداخلي مثلما حدث في شهر شباط 2011 قبل لقاء الرئيس سعد الحريري في واشنطن حيث اعلن الوزير جبران باسيل استقالة وزراء المعارضة من الحكومة وهو ما ادى الى اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري .

لكن رغم التوتر بين اميركا وايران في المنطقة ، ورغم الموقف العالي النبرة تجاه الادارة الأميركية والمؤيد لايران في الصراع الدائر في المنطقة اسمرت زيارة الرئيس الحريري الى واشنطن وفق البرنامج المعد لها حيث التقى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وأعلن الرئيس الحريري أن وزير الخارجية الاميركي جدد دعم بلاده للبنان سياسياﹰ واقتصادياﹰ ، من خلال مؤتمر "سيدر 1" والمؤسسات الدولية .. كما أعرب عن حرص الولايات المتحدة على مواصلة العمل على حل مسألة تحديد الحدود البرية والبحرية ، وشدد على "أن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني مستمرة ، وهذا أمر محسوم ، ونحن اليوم في اطار التفاوض في شأن مساعدات مالية واقتصادية" .

وتعكس هذه المواقف السياسية المتضاربة بين الرئيس الحريري والسيد نصرالله ان التهدئة السياسية القائمة حالياﹰ في لبنان هي مصلحة مشتركة لمختلف الأطراف الداخلية والخارجية على حد سواء ، وأن الجميع متفق على ادارة هادئة وعقلانية للخلاف السياسي ، ويبدو ان خطورة الوضع الاقتصادي ساهمت وبقوة في التهدئة السياسية القائمة بين مختلف الأطراف لأن تصنيف الدين السيادي للبنان وصل الى مستويات خطيرة حيث من المتوقع ان تعلن وكالة "ستاندر ان بورز" تراجع تصنيف لبنان من B- حالياﹰ الى CCC ، وتعتبر الدول المدنية المصنفة في هذه الالخانة أنها رهن بتوافر ظروف مؤاتية كي تتمكن من ايفاء ديونها ، وهذا يعني أن من الممكن أن تدرج سندات لبنان السيادية في فئة السندات المعرضة لخطر التخلف عن السداد .

باختصار ، لبنان أمام فرصة لالتقاط انفاسه ولمعالجة وضعه الاقتصادي المتردي ، فهل يستغل المسؤولون هذه الفرصة لانقاذ لبنان ؟

بسام غنوم