وائل نجم

  لا بدّ من التذكير ابتداءً بأنه حتى لحظة كتابة هذه الكلمات لم تظهر أية ملامح إيجابية تسهّل عملية تأليف الحكومة، بل على العكس تماماً فإن الأيام المنصرمة شهدت سفر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في إجازة عائلية، وكان قد سبقه إلى ذلك رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ما يوحي أن الأجواء ليست مهيّأة بعد لإعلان التشكيلة الحكومية، وبالتالي فإن المساعي التي بُذلت، يبدو أنها لم تكن كافية لإقناع الكتل النيابية والقوى السياسية بضرورة التنازل وخفض سقف مطالبها لتسهيل عملية التأليف، وبالتالي فإن العُقَد على حالها، وهي في أكثر من مكان، داخلي عبر مطالب الكتل والقوى، وخارجي عبر «فيتوات» دول لها مصالحها الخاصة.
ما يهمّنا ونحن نتحدث عن العقبات الداخلية التي تحول دون تأليف الحكومة، ما يتصل بتمثيل الساحة السنّية في الحكومة، لأن هذا التمثيل شكّل في لحظة من اللحظات إحدى العقبات والعقد التي ساهمت في تأخير تأليف الحكومة.
فقد أعلن رئيس الحكومة المكلّف، رئيس تيار المستقبل، الرئيس سعد الحريري، رفضه منح المقاعد المخصصة في مجلس الوزراء لـ «الطائفة السنّية» أو أي منها إلى أي وزير من خارج المستقبل أو خارج رضا وقبول المستقبل، وبالتالي رفض توزير أي من النواب الذين فازوا في الانتخابات النيابية الأخيرة خارج لوائح المستقبل، وهم بالمناسبة عشرة نواب من أصل سبعة وعشرين نائباً سنيّاً في المجلس النيابي، في مقابل إصرار هؤلاء النواب، والقوى السياسية التي تساندهم، أو تقف خلفهم على ضرورة تمثّلهم في الحكومة حتى لا يكون تمثيل السنّة في الحكومة حكراً على «المستقبل» فقط.
لقد فتحت هذه القضية نوعاً من السجال بين الرئيس المكلّف وتياره المستقبل من جهة، وبين عدد من هؤلاء النواب من جهة ثانية. هو يرفض توزير أية شخصية باسمهم، وهم يطالبون بحصة وزارية تصل إلى وزيرين إذا كانت حصّة السنّة في الحكومة ستة وزراء. وأمام هذا الواقع بدا المشهد السنّي في البلد مأساوياً، خاصة أنهم في هذه المرحلة يعتبرون الحلقة الأضعف وسط التجاذبات الإقليمية والدولية، ووسط المصالح الداخلية التي تريد الاستقواء لفرض المزيد من الأعراف أو التعديلات الدستورية من أجل تكريس نوع من الهيمنة أو «الحقوق» المزيّفة التي تجعل البلد يخرج عن إطار الشراكة الحقيقية بين مكوّناته إلى نوع من الغلبة لطرف على حساب طرف آخر.
إشكالية كل طرف من طرفي النزاع السنّي اليوم هو في محاولة المستقبل الهيمنة على قرار «الطائفة السنّية» وهو ما ألحق بها الخسائر الفادحة على مرّ السنوات الماضية حيث أظهرت قيادة هذا التيار نوعاً من التنازلات والتراجع أمام إصرار الآخرين على مواقفهم، وأمام تغليب منطق المصالح الشخصية والضيقة أحياناً على حساب المصالح الكبرى التي تعني المكوّن والبلد معاً، ولعلّ في الأجواء التي نشاهدها تحيط بمسألة تأليف الحكومة خير شاهد ودليل على هذه الحالة التي لم تعد مقبولة،ولا تخدم هذا المكوّن الأساسي أو المصلحة الوطنية العام بشكل عام.
وفي مقابل ذلك فإن النواب السنّة الفائزين في الانتخابات الأخيرة لم يقدّموا نموذجاً مقنعاً «لمجمل السنّة» في لبنان. فهم أولاً ليسوا كتلة واحدة، بل عبارة عن مجموعة شخصيات متفرقة لا تملك رؤية واحدة للبلد، ولا لنظامه، ولا لكيفية حلّ الأزمات التي يعاني منها، وبالتالي همّها الوحيد – بنظر الكثيرين – هو الفوز بالمقعد النيابي وحسب، وبالتالي فإن ذلك شكّل نقطة ضعف كبيرة في طرحه، وفي مطلبه. إضافة إلى ذلك فإن الكثيرين ينظرون إلى هؤلاء أو إلى أغلبهم، على أنهم قد فازوا بمقاعدهم جراء التحالفات والدعم الذي أمّنه لهم حلفاء من مكوّنات أخرى، وبالتالي فإن ذلك طرح نوعاً من التشكيك في مصداقية تمثيلهم للمكوّن الذي ترشحوا باسمه ولتمثيله في هذا النظام القائم على تمثيل المكوّنات.
اليوم يحتاج المكوّن السنّي في لبنان إلى إنتاج معادلة جديدة لا تسمح باحتكار تمثيله من قبل أي طرف من ناحية، وعدم تراخي وتهاون أي طرف آخر في حقوق هذا المكوّن أو أن يظهر بمظهر الملتحق بمكوّنات أخرى، وجزء من مصالحها، وهذا ليس على قاعدة الخصام أو العداوة مع تلك المكوّنات، ولكن من منطلق الحفاظ على الحضور والدور وحتى المصلحة الوطنية، وكل ذلك يحتاج من كل الأطراف تشكيل قناعة بضرورة التكامل فيما بين الجميع، وعدم التلهّي بمشاكل وصراعات جانبية لا يستفيد منها سوى الذين يحاولن فرض نوع من الهيمنة والسياسات الأُحادية على البلد، ومن هنا يمكن أن تكون الدعوة مجدداً لعملية تكامل في «الساحة السنّية» مطلباً وحاجة في الوقت ذاته، ويبقى أن تبادر بعض المؤسسات لأداء هذا الدور، ولعلّ المرجعية الرسمية الدينية خير من يمكن أن يقوم به، حتى يتمّ إنقاذ الموقف، ولا نفيق ذات يوم ونجد أنفسنا على الأطلال.}