العدد 1372 / 31-7-2019
بسام غنوم

تعيش الساحة السياسية حالة من الفراغ والمراوحة تحت عناوين سياسية وقانونية ودستورية ، فمجلس الوزراء مازال معطلاﹰ منذ ما يقارب الشهر بسبب الخلاف المستحكم حول حادثة قبرشمون , حيث يرفض النائب طلال ارسلان بدعم من الرئيس عون و "حزب الله" انعقاد مجلس الوزراء ما لم تكن احالة قضية قبرشمون بنداﹰ أول على جدول اعمال مجلس الوزراء ، ووصل به الأمر الى الطلب من الرؤساء عون وبري والحريري وقف كل مبادرات الحلول المقترحة لحل أزمة حادثة قبرشمون لان "اللي علينا عملناه" كما قال .

وفي سياق متصل بالتعطيل المتعلق بعمل الحكومة مازال رئيس الجمهورية ميشال عون يرفض توقيع مشروع موازنة العام 2019 لأنه يعتبر أن هناك خللاﹰ في الموازنة بسبب المادة 80 , التي نصت على حفظ حق الموظفين الفائزين بامتحانات مجلس الخدمة المدنية ، لأنه يعتبر ان الموافقة عليها وتعيين الناجحين لاحقاﹰ في ادارات الدولة سوف يؤدي الى الاخلال بالتوازن الطائفي في البلد بين المسلمين والمسيحيين ويستند العماد عون الى المادة 95 في الدستور التي تؤكد بحسب رأيه على حفظ التوازن الطائفي والمناصفة في ادارات الدولة بحسب دستور الطائف ، وفي نفس الاطار قام الرئيس عون برد القانون "اعفاء اولاد المرأة اللبنانية" الحائزين على اقامة مجاملة من اجازة العمل لأنه يحتاج الى مزيد من الدرس لتوضيح بعض النقاط كما جاء في اسباب رد القانون الى المجلس النيابي والسبب كما هو واضح موضوع التوازن الطائفي في البلد الذي هو الشغل الشاغل للوزير جبران باسيل وللتيار الوطني الحر .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل هناك مصلحة للبنان واللبنانيين بالعودة الى الخطاب الطائفي تحت عنوان الحقوق وحفظ التوازن الطائفي في البلد ؟

الجميع في لبنان يتذكر ان معارضة اتفاق الطائف الذي انهى الحرب اللبنانية في العام 1989 والذي اصبح دستوراﹰ للبنان وبدأ العمل به في العام 1990 جاء من طرفين الأول هو العماد عون الذي كان يرأس الحكومة العسكرية في العام 1988 ، و "حزب الله" الذي اصدر وثيقة سياسية مفصلةرفض فيها اتفاق الطائف .

ويبدو ان ما يعيشه لبنان اليوم بعد التبدلات السياسية التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان في العام 2005 وما تلا ذلك من اجتياح لبيروت في 7 أيار 2008 من قبل "حزب الله" وصولاﹰ الى انتقاء الرئيس ميشال عون رئيساﹰ للجمهورية بعد ما يقارب السنتين من انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان هو استكمالﹰ لهذا المسلسل السياسي الهادف الى العودة بلبنان الى مرحلة ماقبل اتفاق الطائف بكل مافي الكلمة من معنى .

فقد نص اتفاق الطائف على اناطة السلطة التنفيذية برئيس الحكومة ومؤسسة مجلس الوزراء ، وما يجري حالياﹰ في موضوع حادثة قبرشمون هو محاولة سلب صلاحية وضع جدول أعمال مجلس الوزراء من رئيس الحكومة من أجل تصفية الحسابات السياسية مع وليد جنبلاط من قبل "حزب الله" والتيار الوطني الحر ، وكذلك الأمر في موضوع المادة 80 من موازنة العام 2019 حيث يرفع التيار الشعار الطائفي والحفاظ على حقوق المسيحيين . من أجل تعطيل الموازنة وسلب صلاحيات رئاسة الحكومة والمجلس النيابي ، وهذا ما دفع بالنائب سمير الجسر الى القول "ان تهديد باسيل باسقاط الموازنة تحقيقا لرغبته السياسية لا يخرج عن كونه ابتزازاﹰ للبلد باكمله من بوابة الأزمة الاقتصادية والوضع المالي ووجع الناس" واضاف "لا اجتهاد في معرض النص الذي يحدد المناصفة في وظائف الفئة الاولى , ويترك الامر بعد ذلك للاختصاص والكفاءة" ، وختم قائلاﹰ :" تعقل قبل ان تدفع البلد في طريق لا تحمد عقباه ، لقد نفذ صبرنا".

فما يجري حالياﹰ من تصاعد في الخطاب الطائفي والعنصري ، وكذلك في عملية الابتزاز السياسي للرئيس سعد الحريري هو تصفية حسابات بمفعول رجعي ومحاولة مكشوفة للتأسيس لمرحلة ما بعد اتفاق الطائف او لللانقلاب عبر الممارسة الفعلية على اتفاق الطائف .

فهل حان وقت العودة للاقتتال بين اللبنانيين تحت العناوين الطائفية مثلما كان الحال عام 1860, ام ان ما بقي من وعي عند بعض القيادات السياسية سيمنع ذلك ؟

بسام غنوم