بسام غنوم

طغت التطورات المتسارعة في المنطقة، ولا سيما في اليمن، بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على يد جماعة الحوثيين على الخطوات السياسية القائمة للوصول إلى تسوية سياسية بين الرئيس الحريري و«حزب الله» تسمح للرئيس الحريري بالعودة عن تريثه وعودته مجدداً الى رئاسة الحكومة بما يطوي صفحة الاستقالة التي كان قد أعلنها من الرياض في الرابع من شهر تشرين الثاني الماضي.
وإذا كانت قضية مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح شأن يمني خاص باليمن واليمنيين، فإنّ هذا الحدث الكبير سيكون له تأثيرات على امتداد الإقليم الممتد من اليمن إلى سوريا والعراق والبحرين وصولاً إلى الصراع السعودي - الإيراني عبر هذه الساحات الذي يمتد أيضاً الى لبنان، حيث أعاد وزير الخارجية السعودي التأكيد خلال تصريحات له في منتدى الحوار المتوسطي الذي عقد في روما ان «لبنان مختطف من دولة أخرى من خلال جماعة «حزب الله» والحل هو سحب سلاح الحزب»، وأضاف ان الحزب «استخدم المصارف اللبنانية لتهريب الأموال»، وهذا يعني ان الموقف السعودي من موضوع سلاح «حزب الله» في لبنان لم يتغير، وان الخطوات السياسية التي يقوم بها الرئيس سعد الحريري بالتعاون والتنسيق مع الرئيس عون للوصول إلى تسوية سياسية جديدة في لبنان تسمح بعودة متجددة للرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة لا تحظى بقبول سعودي لأن سقف مطالب الرئيس الحريري بعد عودته الى لبنان انخفض الى مطلب «النأي بالنفس» و«تطبيق اتفاق الطائف» و«عدم الإضرار بالدول العربية».
فما هي تأثيرات الحدث اليمني على لبنان، وهل يقبل «حزب الله» بالاستقالة من وظيفته بالإقليم من أجل الرئيس الحريري؟
البداية من الحدث اليمني حيث أعاد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح على يد الحوثيين خلط الأمور في اليمن رأساً على عقب، وأصبحت المواجهة السعودية - الإيرانية في اليمن مباشرة بعد رحيل علي عبد الله صالح الذي كان يشكل غطاءً سياسياً وشعبياً كبيراً للتمرد على الشرعية في اليمن.
وإذا كانت السعودية تسعى طوال الفترة الماضية بالتعاون مع دولة الإمارات العربية لاستمالة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، فإن المرحلة المقبلة ستتجه إلى اتجاه آخر يصب في تصعيد المواجهات العسكرية في اليمن، وتشديد الحصار على الموانئ والمطارات اليمنية، ولا أحد يعلم الى أين ستتطور الأمور في الخليج، لأن الطرف الآخر، أي جماعة الحوثي، ليس بوارد التراجع بعد مقتل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بل إن عبد الملك الحوثي هدّد المستثمرين في دولة الإمارات باحتمال خسارة استثماراتهم لأنه بوارد تصعيد ضرباته الصاروخية لتطاول دبي وأبو ظبي، وبالتالي فالمواجهة مفتوحة في الخليج على احتمالات كثيرة غير معروفة حتى الآن.
لكن ماذا عن تأثير هذا الصراع المتفجر في اليمن على لبنان؟
النقطة الرئيسية الأولى في التسوية السياسية الجديدة بين الرئيس الحريري و«حزب الله» هي التطبيق العملي والفعلي لسياسة «النأي بالنفس» و«عدم الإضرار بالدول العربية». فإيران و«حزب الله» في لبنان يديران شبكات إعلامية وسياسية وأمنية واسعة لدعم الحوثيين والمعارضين السعوديين والبحرانيين وغيرهم.
فعلى الصعيد الإعلامي، هناك قناة المسيرة التابعة للحوثيين التي تبث من لبنان، وقد لعبت هذه المحطة التلفزيونية مع قناتي المنار والميادين دوراً كبيراً ومباشراً في الأحداث الأخيرة في اليمن، واتهما حزب المؤتمر اليمني بلعب دور مباشر في الدعاية والتحريض والتضليل الإعلامي للأوضاع في اليمن انطلاقاً من لبنان. ولا ننسَ أيضاً أن هناك محطات تلفزيونية أيضاً للمعارضة السعودية والبحرينية في لبنان.
إضافة إلى ذلك، لا يخفى على أحد الدعم السياسي والأمني الذي تقدمه إيران و«حزب الله» للحوثيين وباقي المعارضين عبر لبنان، وهذا كله وبعد أحداث اليمن يضع لبنان أمام تحدي التطبيق الفعلي والعملي لمبدأ النأي بالنفس الذي يطالب به الرئيس الحريري، وهو الذي أكد خلال أكثر من تصريح أن «التزام النأي بالنفس ينبغي أن يكون بالأفعال وليس بالأقوال وحدها».
فهل يمكن سياسة النأي بالنفس ان تنجح في ظل تورط «حزب الله» بالصراعات القائمة في المنطقة بدءاً من سوريا مروراً بالعراق ووصولاً إلى اليمن والبحرين والسعودية؟
هذا السؤال يضع «حزب الله» ولبنان واللبنانيين أمام امتحان سياسي كبير.
فبالنسبة الى «حزب الله» إن «النأي بالنفس» قد لا يعني الاستقالة من الإقليم إرضاءً للرئيس سعد الحريري، لأن الحزب يعتبر نفسه يقوم بمهمة «رسالية» في سوريا والمنطقة في مواجهة «الإرهاب» أولاً، وفي مواجهة المشاريع الأميركية والصهيونية ثانياً، وهو يعتبر نفسه رأس الحربة بالنسبة إلى محور «المقاومة والممانعة»، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يتخلى عن دوره الإقليمي من أجل شعار «لبنان أولاً» الذي يرفعه الرئيس سعد الحريري.
باختصار، لبنان أمام امتحان سياسي كبير خلال الأيام القادمة، انطلاقاً من تطورات الوضع في اليمن وما يمكن أن يحدث لاحقاً في المنطقة، ولذلك يمكن القول ان التسوية السياسية الجديدة بين الرئيس سعد الحريري و«حزب الله» ماتت سلفاً مع قتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.}