قاسم قصير

يواصل «تيار المستقبل» تحضيراته لعقد مؤتمره العام في شهر تشرين الأول المقبل، وذلك بناء على القرار الذي اتخذه زعيم الحزب الرئيس سعد الحريري بعد الانتكاسات التي تعرض لها التيار خلال الانتخابات البلدية والاختيارية في أيار الماضي.
وتتمحور التحضيرات والنقاشات في مجالات عديدة ومنها:
أولاً: الرؤية السياسية للتيار، وما هي الأهداف التي يجب التركيز عليها في المرحلة المقبلة، والقواعد التي يجب الالتزام بها.
ثانياً: الوضع التنظيمي من خلال إعادة هيكلة التيار واختيار قيادات جديدة تتولى مختلف المهام، مع اعتماد قاعدة الانتخابات لاختيار المواقع الأساسية بدل اللجوء إلى التعيين.
ثالثاً: الخطاب الإ علامي ووضع المؤسسات الإعلامية للتيار التي تشهد تراجعاً كبيراً في دورها وأدائها، سواء بسبب الأزمة المالية أو نظراً إلى ضعف الطاقات والكوادر.
رابعاً: علاقات التيار الخارجية، سواء مع الدول العربية ولا سيما السعودية، أو الدول الغربية، وكيفية التوفيق بين دور التيار الداخلي وعلاقاته ومواقفه الخارجية.
خامساً: الأزمة المالية التي يواجهها زعيم التيار الشيخ سعد الحريري والتي انعكست سلباً على أداء التيار الانتخابي والسياسي والخدماتي.
سادساً: الانشقاقات والخلافات داخل التيار،  إضافة إلى الحديث عن وجود تباينات داخل التيار وكتلة المستقبل النيابية.
سابعاً: الدعوات والحملات التي برزت على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تدعو إلى رحيل بعض القيادات والكوادر، إضافة الى بروز بعض المواقف المتشددة تجاه بعض العاملين في التيار ومؤسساته، بسبب مواقفهم العقائدية أو السياسية. فإلى أين ستؤدي هذه النقاشات والحوارات داخل تيار المستقبل؟ وما هي الأسباب الحقيقية للأزمة التي يواجهها تيار المستقبل اليوم؟ وهل سينجح المؤتمر القادم للتيار بإعادة تعزيز دوره الشعبي والسياسي والإعلامي؟
أين تكمن قوة التيار؟
من أجل معرفة الأسباب الحقيقية للأزمة التي يعاني منها التيار يجب العودة قليلاً إلى الظروف التي أسهمت في بروز التيار وقوته، ولا سيما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. فمن المعروف أن الرئيس الحريري (الأب) لم يكن يرغب في إنشاء حزب سياسي أو تيار منظم بل كان يحرص على العمل في إطار شعبي مفتوح، بأقل قدر ممكن من الأطر التنظيمية، وإن كان يركز كثيراً على الماكينة الانتخابية للتيار مع إنشاء عدد كبير من المؤسسات التربوية والمهنية والاجتماعية والتي كانت تتواصل مع أنصار التيار. كذلك استفاد الرئيس رفيق الحريري من امكاناته المالية الكبيرة ودوره السياسي الداخلي والخارجي وموقعه في السلطة فكان له دور فاعل في الحياة السياسية اللبنانية.
لكن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري تعاظمت شعبية التيار وتوسعت وذلك للأسباب الآتية:
1- حالة التعاطف الكبيرة التي أحاطت بعائلة الرئيس رفيق الحريري والشعور الكبير بالمظلومية بسبب طريقة الاغتيال، إضافة إلى الدعم الكبير الذي برز بعد الاغتيال داخلياً وخارجياً.
2- الامكانات المالية الكبيرة التي صرفت على مناصري التيار ومؤيديه، ان من قبل عائلة الرئيس الحريري أو القوى الخارجية.
3- نجاح التيار وحلفائه بتحقيق الانتصار الكبير في انتخابات عام 2005 والإمساك بالسلطة من خلال التحالف الرباعي مع الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل وحزب الله.
4- الشعارات السياسية التي رفعها التيار طوال السنوات الماضية، إن على صعيد معرفة حقيقة اغتيال الرئيس الحريري أو مواجهة النظام الأمني اللبناني - السوري أو مواجهة حزب الله وسلاحه.
5- الحالة المذهبية التي انتشرت وازدادت في السنوات الماضية والتي حوَّلت التيار إلى القوة الأبرز على صعيد الساحة السنّية في لبنان، في ظل تراجع بقية القوى السياسية والحزبية.
ومن خلال استعراض هذه الأسباب الأساسية لقوة التيار وانتشاره، يمكن معرفة الأسباب التي أدت إلى تراجع التيار اليوم، إن بسبب تغير الظروف السياسية أو الأزمة المالية أو غياب المشروع السياسي المتكامل، وكذلك تراجع التيار عن الشعارات التي كان يرفعها وكانت تشكل نقطة قوة له، إضافة إلى غياب الشيخ سعد الحريري عن لبنان لعدة سنوات، ما أدى إلى بروز مواقع قوة داخل التيار.
المؤتمر العام والخروج من الأزمة
لكن هل يُسهم انعقاد المؤتمر العام لتيار المستقبل في شهر تشرين الأول المقبل في اخراج التيار من أزمته السياسية والتنظيمية والشعبية؟
يعوِّل الكثيرون من كوادر التيار وأنصاره على انعقاد المؤتمر العام للتيار لإعادة تفعيل دور التيار واستعادة حضوره الشعبي، ومن أجل ذلك أطلق بعض هؤلاء حملات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي يطالبون فيها برحيل بعض القيدات والمسؤولين ومحاسبة المقصِّرين منهم.
لكن من خلال العودة إلى الأسباب التي أسهمت في بروز قوة التيار وانتشاره، يستطيع المراقب ان يلحظ ان المشكلة ليست في الهيكليات التنظيمية أو بدور المسؤولين والقيادات، لكن المشكلة الأساسية تكمن في المشروع السياسي للتيار والشعارات التي رفعها سابقاً أو يرفعها اليوم، وثانياً في الإمكانات المالية والخدمات التي يقدِّمها التيار لأنصاره والتي تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة.
وفي ضوء هذه المعطيات، فإن المؤتمر العام الجديد لا يستطيع انقاذ التيار من أزمته إذا لم تجر مراجعة المشروع السياسي بشكل كامل ووضع رؤية جديدة وأهداف جديدة تتناسب مع المتغيرات التي حصلت طوال السنوات العضر الأخيرة.
فقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومظلوميته لم تعد تثير أو تحرك الجماهير، والصراع مع حزب الله أو مواجهة النظام السوري لم يعودا من أولويات الناس، وتحريك العواطف المذهبية لم تعد ملكاً لتيار المستقبل في ظل بروز الحركات المتطرفة التي تلعب دوراً أكثر إثارة وحيوية. إذن، تيار المستقبل بحاجة الى إعادة تحديد مشروعه السياسي الذي يريد العمل على أساسه في المرحلة المقبلة, وفي ضوء هذا المشروع يحدد تحالفاته وخياراته ومواقفه.
وأما البنية التنظيمية واختيار المسؤولين أو انتخابهم والهيكليات التي ستعتمد وإعادة تفعيل الوسائل الإعلامية، فإن كل ذلك يمكن ان يلعب دوراً في إعادة تنظيم وضع التيار وتفعيل حضوره، لكن الأهم هو المشروع السياسي والامكانات المالية التي يجب ان توضع لخدمة هذا المشروع، وإذا لم يحدد هذا المشروع ولم تتوافر الإمكانات الكافية فإن دور التيار سيتراجع ولن تنفع معه كل المحاولات والعمليات التجميلية التي تم العمل لإجرائها في المرحلة المقبلة.