العدد 1426 / 2-9-2020
قاسم قصير

منذ الخامس من تموز الماضي بدأ البطريرك الماروني مار بشارة الراعي إطلاق سلسلة من المواقف من اجل تحرير الشرعية اللبنانية وحياد لبنان عن الصراعات وتعزيز سلطة الدولة اللبنانية، وقد توّج الراعي هذه الدعوات باعلان "مذكرة الحياد الناشط " في السابع عشر من شهر اب الماضي ، كما اطلق سلسلة مواقف يدعو فيها الدولة اللبنانية لنزع السلاح من الاماكن السكنية كي لا تتكرر كارثة انفجار مرفأ بيروت .

وقد أثارت مواقف البطريرك الراعي سجالات اعلامية وسياسية في لبنان ، كما لقيت اهتماما عربيا ودوليا ، وفي حين اتهم البعض الراعي بانه يخدم العدو الصهيوني الذي يطالب بنزع سلاح حزب الله ، ردّ اخرون بأن ما يطرحه الراعي يهدف لانقاذ وحماية لبنان ، أما موضوع الحياد فقد تحول الى مادة للنقاشات القانونية والسياسية والاعلامية بين القبول والرفض.

فماهي اهداف دعوات البطريرك الراعي حول الحياد ونزع السلاح ؟ وهل يؤدي الى إجراء حوار حقيقي لانقاذ لبنان، أم تتحول الدعوة لازمة لبنانية جديدة؟

أبعاد مواقف الراعي

بداية ما هي الابعاد الحقيقية لدعوات ومواقف البطريرك مار بشارة الراعي حول الحياد ونزع السلاح وتعزيز السلطة اللبنانية ؟

تقول مصادر مقربة من البطريرك الراعي : ان هذه الدعوات والمواقف جاءت في ظل التحديات التي يواجهها لبنان عشيّة مرور مائة عام على انشاء الكيان اللبناني ، وفي ظل الازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والحصار الخارجي للبنان والتي توّجت بإنفجار المرفأ مما ادى لكارثة كبيرة على مختلف الصعد ، وكل ذلك يتطلب إطلاق رؤية جديدة حول دور لبنان وموقعه داخليا وخارجيا ، وأن الدعوة للحياد الناشط لا تعني تخلي لبنان عن دوره في دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ، لكن المطلوب تحييد لبنان عن الصراعات والمحاور في المنطقة والعالم وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى.

وتضيف المصادر : ان ما يطرحه البطريرك لا يستهدف حزبا معينا ( حزب الله ) بل هو يشمل جميع القوى والاحزاب اللبنانية، وان الراعي لم يعتبر الحزب ميلشيا لان هذا الموضوع تحدده السلطة اللبنانية، واما موضوع ازالة السلاح من الاماكن السكنية فهي دعوة عامة في ظل تفلت السلاح وانتشاره وحصول العديد من الاحداث الامنية في معظم المناطق اللبنانية.

وتؤكد المصادر : ان ما طرحه البطريرك الراعي هو دعوة للحوار والنقاش ، والمطلوب هو عرض المواقف المختلفة بدل إطلاق الاتهامات بالتخوين والعمالة ، لأن هذه المواقف تعبر عن موقف شريحة واسعة من اللبنانيين وهي لخدمة لبنان وحمايته ، وليس الهدف الدخول في سجالات ونقاشات غير موضوعية او غير علمية.

ردود الفعل والحوار المطلوب

لكن كيف كانت ردود الفعل على مواقف وطروحات البطريرك الراعي ؟ وهل هناك إمكانية لعقد حوار وطني لمناقشة هذه الاطروحات والمواقف؟

تنوعت المواقف والردود على ما طرحه البطريرك الراعي من الدعوة للحياد وتحرير الشرعية اللبنانية ونزع السلاح ، فهناك قوى ومجموعات سياسية وحزبية تبنّت هذه الدعوة وايدّتها واعتبرتها شبكة الخلاص من الازمة التي يواجهها لبنان اليوم ، وبعض هذه المجموعات حاولت الاستفادة من مواقف الراعي لشن حملة سياسية على حزب الله والدعوة لعزله ومحاصرته ، لكن المقربين من البطريرك رفضوا هذا الاتجاه واكدوا ان الراعي لا يستهدف حزبا معينا وان الهدف هو الدعوة لنقاش وحوار وطني وان يتم التمييز بين السلاح الداخلي والمقاومة، وان النقاش حول المقاومة يتم من خلال الاستراتيجية الدفاعية.

وبالمقابل هناك شخصيات سياسيةودينية واعلامية وعدد من المحللين والكتّاب شنت حملة قاسية على ما طرحه البطريرك الراعي واتهموه بخدمة العدو الصهيوني واعتبروا ان الحياد في لبنان غير واقعي ولا يتناسب مع الاوضاع السياسية الحالية التي يواجهها لبنان اليوم .

وبموازاة ذلك اثارت الدعوة للحياد والمذكرة التي طرحها الراعي الكثير من النقاشات العلمية والتاريخية والثقافية لتوضيح مفهوم الحياد ومدى امكانية تطبيقه.

اما حزب الله فقد حرص على عدم الدخول او الرد المباشر على البطريرك الراعي ، وان كان امينه العام السيد حسن نصر الله تحدث في بعض مواقفه خلال عاشوراء عن اهمية مناصرة المظلومين والدفاع عن القضايا المحّقة وان ذلك مرتبط بالامكانيات والمصالح الوطنية، واما عن الدعوة لنزع السلاح من الاماكن السكنية فقد رحّب عضو المجلس السياسي في حزب الله الوزير السابق محمود قماطي بهذه الدعوة .

وحسب مصادر مطلعة فان هناك تواصل مستمر بين اعضاء لجنة الحوار بين حزب الله والبطريركية المارونية ، ولكن لم يتم عقد لقاء مباشر بين الحزب والراعي وهناك تحضيرات لعقد هذا اللقاء.

وفي الخلاصة فان ما طرحه البطريرك الراعي يستحق الحوار والنقاش الهادىء بدل توجيه الاتهامات والسجالات عن بعد ، وهذا اما أن يتم من خلال طاولة حوار وطني برعاية رئيس الجمهورية او عبر اللجان والجهات المعنية بالحوار ، فهل نتجه الى حوار حقيقي حول دور لبنان ومستقبله بعد مرور مائة عام على انشاء الكيان اللبناني ، او ننتظر المبادرات الخارجية لانقاذنا ودعوتنا للحوار؟