العدد 1515 /8-6-2022

بقلم: ريتا الجمّال

شهدت جلسة البرلمان اللبناني، يوم الثلاثاء، انتخابات ديمقراطية غير مسبوقة على مستوى اللجان النيابية بعدما كانت الكتل التقليدية تتحكم بالعملية متخطية الآليات الدستورية والقانونية؛ وذلك بغض النظر عن النتائج التي أعادت بشكل كبير أركان المنظومة إلى مواقعهم خصوصاً في أهمِّ لجنتَيْن في المرحلة الراهنة وهما "المال والموازنة"، مع تسجيل خرق واحد للنواب التغييريين، و"الإدارة والعدل"، في حين فاز فيهما مطلوبان للعدالة بقضية انفجار مرفأ بيروت هما النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر(ينتميان إلى حركة أمل برئاسة نبيه بري).

وبعد إتمام انتخاب رئيس للبرلمان (نبيه بري) لولاية سابعة الأسبوع الماضي، ونائبه الياس بو صعب (ينتمي إلى تكتل لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون) وهيئة مكتب المجلس، انتهى الاستحقاق الثاني، اليوم الثلاثاء، الذي شمل انتخاب 16 لجنة نيابية، والذي تليه دعوة رئيس البرلمان خلال 3 أيام اللجان لتجتمع وتنتخب كل منها رئيساً ومقرراً بين أعضائها، على أن تبقى الأنظار موجهة إلى دعوة عون المرتقبة لاستشارات نيابية ملزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة والتي برر التأخر بها لحين الانتهاء من انتخابات اللجان، وقد سادت أجواء توحي بأن الدعوة ستكون قريبة جداً.

بالعودة إلى جلسة اليوم، فإن التبدلات التي فرضتها كتلة "النواب التغييريين" مع رفضها اقتراح التوافق المسبق، أزعجت القوى التقليدية فلم تخفِ استياءها من المدة التي تطلبها انتخاب كل لجنة (عددها 16) وحاولت في كل مرة طرح فكرة التوافق وانسحاب مرشحين لانتهاء العملية سريعاً وتمرير "لطشات" كان أبرزها قول نائب "التيار الوطني الحر" (يتزعمه جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون) سليم عون "ليستمرّ التصويت ما بدنا ننزع العرس الديمقراطي".

وكان الإرباك سيّد الموقف على غرار جلسة انتخاب هيئة مكتب مجلس النواب باعتبار أن الانتخاب يحصل للمرة الأولى عملاً وفق الأنظمة فعاد رئيس البرلمان نبيه بري وذكّر بإمكانية التوافق وأنه منح أسبوعاً لأجل ذلك وهو ما لم يحصل، مكرراً دعوته خلال الجلسة لتوفير الوقت، وذلك عبر انسحاب العدد الذي يزيد عن الأعضاء المخصصين لكل لجنة، فإذا كانت اللجنة مؤلفة من 17 عضواً وترشح 20، بمجرد انسحاب 3 تفوز اللائحة بالمتبقين منها، الأمر الذي لم يلقَ قبول عددٍ من النواب لا سيما "التغييريين" منهم الذين سبق أن رفضوا التوافق المسبق.

كما اعترض النائب في كتلة التغييريين فراس حمدان، على عدم وضوح آلية الترشح وأن الأوراق المدرج عليها أسماء المرشحين مطبوعة سلفاً، طالباً الترشح وضم اسمه إلى لجنتي المال والموازنة ومن ثم طلب ضمه إلى المرشحين للجنة الإدارة والعدل.

وسجل سجال حاد بهذا الخصوص بين حمدان والنائب الذي ينتمي إلى كتلة بري علي حسن خليل (صادرة بحقه مذكرة توقيف غيابية بقضية انفجار مرفأ بيروت)، وبينما كان يقول خليل لحمدان "اسمع يا ابني" ردّ عليه حمدان "أنا زميلك مش ابنك".

ومن المواقف التي سجلت أيضاً وتبعها موجة امتعاض واعتراض، تعليق بري الذي اعتبر مسيئاً على كلام النائبة بولا يعقوبيان حول عدم وضع ملف ترسيم الحدود البحرية على جدول الأعمال، إذ قال "وين كانت بولا يوم كنت من 12 سنة عم خابط في موضوع الثروة النفطية كانت بعدا ما تزوجت ما بدنا نحكي مش كرمالها كرمال زوجها، زوجها صاحبنا إلف باء التشريع تقول لا تشريع خلال جلسة الانتخاب يبدو في ناس جايي عالمجلس حتى تتشاوف فقط".

واستغرق انتخاب أعضاء لجنة المال والموازنة الـ17 ساعتين ونصف الساعة، وهي تعدّ من أهم اللجان النيابية خصوصاً في الظرف الراهن لما تلعبه من دور في ملفات اقتصادية ومالية ونقدية مصيرية في تحديد مستقبل البلاد الذي يغرق في انهيار شامل، لكنها لم تشهد تغييرات كبيرة على مستوى الأسماء مع تسجيل خرق للنائب التغييري إبراهيم منيمنة، بينما تلونت سياسياً بين التقليديين والمستقلّين.

وأصبحت لجنة المال والموازنة مؤلفة من إبراهيم كنعان (رئيسها السابق ينتمي إلى تكتل باسيل وحظوظه مرتفعة بالعودة)، راجي السعد، علي حسن خليل، أيوب حميد، آلان عون، جهاد الصمد، حسن فضل الله، ميشال معوض، سليم عون، غادة أيوب، إيهاب مطر، غازي زعيتر (مدعى عليه بانفجار مرفأ بيروت)، إبراهيم منيمنة، جان طالوزيان، علي فياض، غسان حاصباني، فؤاد مخزومي.

أما على صعيد لجنة الإدارة والعدل التي تعدّ أيضاً من أهم اللجان في المرحلة الراهنة، وصاحبة دور في ملفات أساسية على رأسها استقلالية القضاء، فلم يتمكن النواب التغييريون من إحداث خرق فيها.

وفاز بها النواب جورج عدوان (رئيسها السابق ينتمي إلى حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع وحظوظه مرتفعة للعودة)، قبلان قبلان، جورج عقيص، أشرف بيضون، علي حسن خليل، مروان حمادة، غادة أيوب، حسن عز الدين، غازي زعيتر، حسين الحاج حسن، جورج عطالله، علي خريس، عماد الحوت، أسامة سعد، بلال عبدالله ونديم الجميل وإبراهيم كنعان، مع الإشارة إلى أنه لا يمكن للنائب الواحد أن يكون في أكثر من لجنتَيْن من لجانِ المجلس إلاّ إذا كانت اللجنة الثالثة هي إما لجنة حقوق الإنسان أو المرأة والطفل أو تكنولوجيا المعلومات.

بينما مرت العملية الانتخابية على مستوى اللجان الأخرى، بسلاسة أكثر وسرعة أكبر حيث لم تشهد صراعاً كحال اللجنتين السابق ذكرهما، وحسم العدد الأكبر منها بالتزكية، وتمكن النواب التغييريون من إحداث خرق أيضاً على مستوى لجان كثيرة بينها الشؤون الخارجية والمغتربين، والإعلام والاتصالات، الشباب والرياضة، حقوق الإنسان، المرأة والطفل.

يقول الباحث الاقتصادي والعضو المؤسس في "رابطة المودعين" نزار غانم لـ"العربي الجديد" إن أهم لجنتين نيابيتين هما المال والموازنة والإدارة والعدل كونهما تلعبان دوراً أساسياً في العديد من الملفات الموضوعة على الطاولة اليوم منها مناقشة خطة التعافي المالي التي أقرتها حكومة نجيب ميقاتي قبل دخولها مرحلة تصريف الأعمال، والتي من شأنها أن تحدد شكل الاقتصاد اللبناني لثلاثين عاماً مستقبلاً.

ومن الملفات المهمة التي على لجنة المال درسهاـ يقول غانم ـ "قانون الطوارئ لإعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي يجب أن يقرّ، ووضع إطار تنفيذي لخطة التعافي وتحديد كيفية هيكلة القطاع ومن يتحمّل الخسائر، الأمر الذي سيخلق من دون شك مواجهة ضاربة بين النواب التغييريين ونواب المصارف، لذلك على الفريق الأول أن يكون صوت الناس داخل البرلمان واللجنة ليحمّل قانون الطوارئ الخسائر لكبار المساهمين وليس لصغار المودعين".

ويضيف غانم: "هناك أيضاً قانون الكابيتال كونترول الموجود عند اللجان وأسقط في الشارع مرات عدة، والذي تكمن المشكلة فيه بالصيغة التي يحملها وتحمي المصارف من الدعاوى القضائية لذلك يجب إقرار قانون لا يحمي المصارف قضائياً بل يحمي الاقتصاد اللبناني والميزانية العامة، إلى جانب قانون السرية المصرفية وغيرها من القوانين المالية التي تحتاج إلى عملٍ كبيرٍ داخل اللجنة".

كذلك، فإن لجنة الإدارة والعدل، بحسب غانم، عليها أن تعمل كثيراً على قانون الطوارئ، استقلالية القضاء، أوضاع السجناء، وخصوصاً الذين أمضوا سنين من دون محاكمة، إضافة إلى ملف المحاكم العسكرية مع ضرورة إخراج المدنيين من نطاقها، وسبق أن جرَّ الحراك التغييري كثيراً للمحاكم العسكرية بطريقة مخالفة للدستور وغيرها من الملفات.

تبعاً لذلك، يرى غانم أهمية الخرق في لجنة المال والموازنة بشكل خاص التي تعد بمثابة مطبخ صفقات الفساد، مع الإشارة إلى أنه لا يجب رفع سقف التوقعات على صعيد النواب التغييريين إذ لا قدرة لديهم على قلب موازين القوى داخل البرلمان ولكن حتماً سيكون صوتهم عالياً ليؤسس لثقافة المحاسبة، كما من المهم أن يظهروا إلى العلن التداولات التي تحصل وبشفافية، بما يؤسس مستقبلاً في الانتخابات النيابية المقبلة لتشكيل كتلة وازنة في البرلمان.

تجدر الإشارة إلى أن النواب يمكنهم المشاركة في جلسات اللجان حتى لو لم يكونوا منضوين فيها ولكن لا يحق لهم التصويت.

وإذ يلفت غانم إلى أن دور اللجنتين كان سيئاً في خلال الفترة الماضية، خصوصاً المال والموازنة التي كانت بمثابة لجنة المصارف وغطائها لمنع إفلاسها، يؤكد أن العبرة تبقى في التشريع واجتماع مجلس النواب والقيام بورشة إصلاحية حقيقية.

من جهته، يقول رئيس قسم التحرير والدراسات في المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، أسعد سمور، لـ"العربي الجديد"، إن "أهمية اللجان النيابية تكمن في دورها بوصفها مطبخ التشريعات والقوانين ولا يمكن أن يصدرَ قانون من دون أن يمرّ بها حتى تناقشه وتقرّه وتصدّق عليه وتحوّله إلى هيئة مجلس النواب".

ويرى أن "المشكلة ليست في ما إذا كانت اللجان النيابية تقوم بدورها أو لا بل بالنظام اللبناني ككلّ، بحيث إن الحرب انتهت وسلّمت المليشيات سلاحها للدولة في حين سلّمت الأخيرة نفسها للمليشيات وأصبحت مراكز القوّة خارج مؤسسات الدولة".

يضيف سمور: "بالتالي فإن من يقرّر القوانين وشكلها وموادها ليس مجلس النواب بجلسة عادية بل يتفق عليها سلفاً، عدا عن طاولات الحوار التي تعقد من خارج الحكومة أو مجلس النواب ويخرج عنها قرارات معينة تحول للتصديق سواء على شكل مراسيم أو قوانين بما في ذلك انتخاب رئيس الجمهورية، التسوية تحصل مسبقاً ويتم الاتفاق على اسمٍ ومن ثم تعقد جلسة البرلمان، وبالتالي فإن كل المؤسسات باتت مفرغة تماماً من دورها".

ويعتبر سمور أن "التفاهمات التي تحصل عادة خارج إطار المؤسسات التشريعية والرسمية قد تصطدم بوجود كتلة التغييريين داخل البرلمان واللجان النيابية على أن تقييم عملهم يحتاج إلى وقتٍ ومحطات يُبنى عليها".