بسام غنوم

مع اقتراب السادس من شهر أيار القادم، موعد إجراء الانتخابات النيابية، بدأت الحملات الانتخابية تأخذ الطابع الحاد، مع التركيز على الخلاف الطائفي والسياسي مع اللوائح الأخرى المنافسة، وقد دخل مؤخراً العامل الاقتصادي بقوة من باب «مؤتمر سيدر-1» الذي عقد الأسبوع الماضي في باريس، والذي حصل فيه لبنان على قروض وهبات مشروطة بقيمة أحد عشر مليار دولار، وهو ما دفع الرئيس الحريري وتيار المستقبل الى استغلال نتائج المؤتمر في الحملات الانتخابية على أساس أن تيار المستقبل هو«الخرزة الزرقاء التي تحمي اقتصاد لبنان».
وفي المقابل، اعتبر «حزب الله» بلسان السيد حسن نصر الله أن شعار مكافحة الفساد سيكون هو المعتمد في الفترة القادمة، وأنه سيكون في «مواجهة أي ضرائب جديدة على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود»، وأضاف: «قد نضطر للنزول الى الشارع لأن الوضع الاجتماعي للناس لا يحتمل أي ضرائب»، وهو ما اعتبر رداً مباشراً على «تيار المستقبل» والرئيس سعد الحريري المطالب بإصلاحات وضرائب جديدة من أجل الحصول على قروض «مؤتمر سيدر-1» المشروطة من قبل المانحين الدوليين بعدة شروط أساسية في ما يتعلق بقوانين مكافحة الفساد والشفافية وفرض ضرائب جديدة على اللبنانيين.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تحولت الدعاية الانتخابية الى الاقتصاد ومحاربة الفساد، بعدما كانت تعمل على الخلافات السياسية والحسابات الطائفية؟
يبدو أن القوى السياسية الكبرى في لبنان أدركت بعد فترة وجيزة من بدء الدعاية الانتخابية أن المواضيع الطائفية، ونبش تاريخ الخلافات السياسية مع باقي القوى والشخصيات السياسية لم تعد ذات أهمية كبرى للناخب اللبناني الذي يعاني من ضائقة اقتصادية شديدة.
فبعد فترة من تركيز الرئيس الحريري على موضوع الخلاف السابق مع «حزب الله»، واستذكار أحداث 7 أيار 2008 وما جرى فيها من مواجهات، وأن هناك من يريد النيل من الطائفة السنّية، تبين للرئيس الحريري وفريقه الانتخابي ضعف التجاوب مع هذه الطروحات على الصعيد الشعبي العام، ولا سيما في العاصمة بيروت، لأن الناس لم ينسوا كلام الرئيس الحريري عن رفض الشعبوية حين دخل في التسوية السياسية مع الرئيس عون و«حزب الله»، وحيث يعملان معاً في مجلس الوزراء، لذلك انتقلت الحملة الانتخابية لتيار المستقبل الى التركيز على العامل الاقتصادي، وهو ما أكده الرئيس سعد الحريري في لقاءاته الانتخابية مع أهالي بيروت حيث قال: «نحن حريصون على الاستقرار ونعمل ما في وسعنا للنهوض بالوضع الاقتصادي»، ولكنه عمل على اختصار المعركة الانتخابية في بيروت بين لائحة تيار المستقبل و«حزب الله» وكأن باقي اللوائح لا وجود لها أو أنها لوائح خائنة لأهالي بيروت، فقال: «إن هناك لائحتين تتنافسان في بيروت، لائحة المستقبل ولائحة حزب الله. هؤلاء الذين يؤلفون هذه اللوائح تحت شعار رفيق الحريري (في إشارة الى لائحة بيروت الوطن التي تضم الجماعة الإسلامية وصلاح سلام وشخصيات) هدفهم تشتيت أصواتكم وأصوات البيارتة لمصلحة لائحة حزب الله، وأنا على يقين من أنكم بتصويتكم الكثيف للائحة تيار المستقبل ستفشلون مخططهم ومشاريعهم».
وخلف هذا التحول في الدعاية الانتخابية لتيار المستقبل من التركيز على العامل الطائفي والمذهبي والخلاف السياسي مع «حزب الله» الى الربط بين الاقتصاد والخلاف مع «حزب الله» هو خشية «تيار المستقبل» من خسارة انتخابية في بيروت تؤثر كثيراً في التمثيل السياسي للرئيس الحريري وتيار المستقبل، ولذلك يجري اعتماد دعاية انتخابية جديدة تركز على معالجة الوضع الاقتصادي وتلعب في الوقت نفسه على الوتر الطائفي والمذهبي.
ولا يقتصر الأمر في ذلك على تيار المستقبل، بل يتعداه الى «حزب الله» الذي وجد نفسه أمام تحدٍّ مختلف في الانتخابات النيابية القادمة، حيث إن البيئة الحاضنة لـ«حزب الله» التي تقدر تضحياته لمصلحة الطائفة، وخصوصاً في ما يتعلق بالمقاومة، لكنها في الوقت نفسه تجد نفسها في معاناة مثلها مثل باقي اللبنانيين في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي ومواجهة الفساد.
وقد وصلت هذه الصرخات الى مسامع «حزب الله» بقوة ووضوح، ولذلك انتقل العمل الدعائي لحملة «حزب الله» الانتخابية الى موضوع مكافحة الفساد كأولوية في المرحلة القادمة.
واللافت أن هذه الأولوية لحملة مكافحة الفساد في الدولة، وحماية حقوق الناس يتولى الدعاية لها بصورة شخصية ومباشرة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي قال: «نحن بحاجة إلى نواب يأخذون موقفاً حاسماً في المجلس لمواجهة سن أي ضرائب جديدة على الفقراء في لبنان».
وأضاف: «يجب أن نبقى في الحكومة مهما فعلت وعدم الاعتكاف من الحكومة لأي سبب»، وتوجه الى الرئيس سعد الحريري بالقول: «لا أحد «يأكل رأس» الشعب اللبناني ليقول له إنه من خلال هذه الديون سوف يغير الوضع في لبنان».
هذا التحول في الخطاب الانتخابي للقوى السياسية الكبرى في لبنان، وإن كان بسبب الضائقة الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون الذين ملوا في الخطابات والشعارات الطائفية الزائفة التي يجري استغلالها لتحقيق مكاسب على حساب مصالح الشعب اللبناني، إلا أن لها وجهاً آخر، هو أن القوى السياسية لم تعد قادرة بعد اليوم على تجاهل وجع اللبنانيين وان الناس تريد خبزاً وأمناً واقتصاداً، ولن تقبل بعد اليوم «جعجعة» بلا طحين.