وائل نجم

اعتباراً من يوم الثلاثاء ( 22 أيار 2018) بدأ المجلس النيابي الجديد مهماته الرسمية على الرغم من ظلال الشك الكثيفة التي اكتنفت عملية فرز الأصوات، وفتحت المجال لتقديم الطعون بالعملية الانتخابية برمتها أمام المجلس الدستوري.
ومع تسلُّم المجلس النيابي الجديد مهماته، دخلت الحكومة حالة تصريف الأعمال.
الآن هناك آليات دستورية لا بدّ من سلوكها حتى تنتظم الحياة السياسية، وتأخذ المؤسسات دورها، وتسلك الأمور مسلكها الطبيعي، وأولى هذه الخطوات في الآلية الدستورية انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي، وقد أعيد التجديد للرئيس نبيه بري، وانتُخب النائب إيلي الفرزلي نائباً لرئيس المجلس.
الآن الخطوة الإجرائية الثالثة هي قيام رئيس الجمهورية باستشارات نيابية مُلزمة لتكليف شخصية تشكيل الحكومة، والتي بدورها تقوم باستشارات نيابية غير ملزمة لتشكيل الحكومة، وهنا سيكون محور التجاذب والسجال والأخذ والرد.  
التحدّي الذي يواجه العهد، ومعه لبنان والقوى السياسية فيه في هذه المرحلة، هو تحدّي تشكيل الحكومة، إذ لا تبدو الأمور بسيطة وسهلة  وميسّرة أمام الشخصية التي ستكلف هذه المهمة، والتي وعلى الأرجح ستكون الرئيس سعد الحريري، على اعتبار أنه يرأس أكبر كتلة نيابية سنّية في المجلس الجديد، وأنه يحظى بثقة أغلب الكتل النيابية والقوى السياسية، وليس له منافسون حقيقيون في وسط المسلمين السنّة في لبنان، وإن كانت الانتخابات الأخيرة أظهرت فوز عدد من الشخصيات السنّية، ولكنها شخصيات لا تتمتع بحضور واسع، وزعامة نيابية كبيرة، ولا سيما في وسط المسلمين السنّة.
إلا أن الحريري أو غيره سيواجه تحدّيات كبيرة في رحلة تشكيل الحكومة الجديدة. أول هذه التحدّيات يتمثّل بإقناع الكتل النيابية والقوى السياسية بحصة مقبولة من الكعكة الحكومية، إذ هناك كتل بدأت من الآن، وقبل فتح الاستحقاق رسمياً، وضع شروط ومطالب كبيرة لتسمية الرئيس المكلف، أو لمنح حكومته الثقة في المجلس النيابي، وهنا على الرئيس المكلف أن يدير توازناً بين هذه الكتل التي أعلنت عن شهية على الوزارات، حيث بعضها يريد وزارات سيادية ( الداخلية، المالية، الدفاع، الخارجية)، كما في حال حركة أمل والتيار الوطني الحر، ورئيس الجمهورية، وحتى حزب الله لمّح إلى أنه يريد وزارة سيادية، في حين أن كتل وقوى أخرى تريد وزارات خدماتية (الأشغال، الشؤون الاجتماعية، الاتصالات، التربية، الصحة) كالحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وغيرهما، فضلاً بالطبع عن الكتل التي تريد وزارات سيادية، فيما تبقى الوزارات الأخرى الأقل أهمية (البيئة، السياحة، الزراعة وزارات الدولة)، وهي ستكون محل تقاسم ومحاصصة بين الكتل والأحزاب، ولضمان النجاح في صوغ تشكيلة حكومية تراعي حجم الكتل النيابية وحصصها التي تريدها، سيكون رئيس الحكومة المكّلف مضطراً ومرغماً على التنازل عن كثير من المكتسبات التي تعني كتلته، أو تعني المكوّن الاجتماعي الذي يمثّله بموجب تقسيم الدستور للصلاحيات، وإلا فإنه قدلا يتمكن من تشكيل الحكومة، وبالتالي قد يذهب البلد بعدها إلى استشارات نيابية ملزمة مرّة أخرى تعيد تسمية غيره لتشكيل الحكومة، لذا فإن الرئيس الحريري إذا ما كُلّف تشكيل الحكومة، وهو الأرجح، سيعمد إلى تقديم المزيد من التنازلات للأطراف الأخرى، ولا سيما الفاعلة والمؤثرة، وهذا كفيل بتحويل منصب رئاسة الحكومة إلى مجرد «باش كاتب» أو وزير أول، في حين أن الدستور وضع صلاحيات إدارة الدولة عند مجلس الوزراء.
التحدّي الأخطر والأكثر أهمية يكمن في الضغط الدولي والعربي الذي يتعرّض له لبنان في موضوع «حزب الله»، وقد تابع العالم خلال الأسبوع الماضي العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على قادة وكيانات مرتبطة بـ«حزب الله». كذلك تابع بالتزامن القرارات التي صدرت عن دول خليجية وصنّفت الحزب على قوائم الإرهاب، وهذه مسألة تشكّل تحدّياً ليس بسيطاً أمام تشكيل الحكومة اللبنانية، إذ إن حزب الله يصرّ هذه المرّة على أن يكون ممثلاً في الحكومة الجديدة بوزارة سيادية أو على أقل تقدير بوزارات وازنة، ويشترط أن تكون حصّته المباشرة (حزبيون) في الوزارة ثلاثة وزراء إذا كانت الحكومة من ثلاثين وزيراً، وحصة الشيعة منها ستة وزراء. وبالطبع هذه المطالب في ظل العقوبات الأمريكية، والقرارات الخليجية بخصوص الحزب، ستكون معوّقاً كبيراً أمام الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، عليه العمل بجهد كبير لإقناع أحد الأطراف أو كليهما (الحزب والأمريكيين والخليجيين) على تدوير الزوايا لتجنيب لبنان خضّات، وإشكالات استطاع أن يتجاوزها طوال الفترة الماضية التي كانت المعارك محتدمة في محيطه بشكل كبير. وبهذا المعنى سيواجه الرئيس المكلّف تحدّياً كبيراً قد يأخذ وقتاً طويلاً للوصول فيه إلى نتائج إيجابية، خاصة أن المرحلة المقبلة، وكما هو واضح، ستكون مرحلة تكثيف الضغط على إيران، وعلى أذرعها في المنطقة، ومنها «حزب الله» في لبنان، لدفعها إلى تقديم تنازلات في ملفات كثيرة منها الملف النووي، ومنها النفوذ في المنطقة، وبالتالي سيكون مضطراً أيضاً إلى تقديم تنازلات جديدة في ملفات حسّاسة قد تثير غضب المجتمع الدولي أو الدول الخليجية، أو العكس، ما يمكن أن يثير غضب «حزب الله» في الداخل، وفي كلا الحالين قد يشهد لبنان مرحلة تكون فيها الضغوط المتبادلة هي العنوان الأساسي من دون الخروج إلى المواجهة المباشرة والمفتوحة، إلا إذا تطوّرت الأمور في المنطقة إلى حرب واسعة، وهذا ما سيجعل المرحلة المقبلة في لبنان مرحلة انتظار وتجاذب بانتظار جلاء الصورة ووضوحها على مستوى الإقليم، وهذا ما قد يطول إذا لم يكن هناك مفاجآت.}