وائل نجم

 أولاً لا بدّ من التنويه بأنه عند كتابة هذا المقال لم يكن الاجتماع التشاوري الذي دعا إليه رئيس الجمهورية رؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة في قصر بعبدا قد انعقد بعد، إلا أن التحضيرات كانت قد اكتملت في القصر الجمهوري لاستقبال المدعوين من دون مستشارين أو مساعدين، وأن هدفها المعلن هو البحث في كيفية تفعيل عمل الدولة وعمل الحكومة ترجمة لما جاء في بيانها وفي خطاب القسم.
الشخصيات التي دعيت إلى الاجتماع أكدت حضورها سواء على المستوى الشخصي، أو على مستوى الممثلين، خاصة أن بعضها قد يكون للقيود الأمنية ما يبرر غيابها الشخصي.
لا شكّ أن كل مواطن لبناني توّاق إلى تفعيل عمل الدولة على كافة المستويات في ظل الأزمات التي تعاني منها، سواء على المستوى الإداري أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الأمني أو غيرها، وأن لا يقتصر التفعيل على جانب دون آخر، كأن يتم تفعيل العمل الأمني مثلاً على حساب الحريات، أو على حساب الفساد الذي ينخر في أعماق الإدارة ويجعل المواطن اللبناني أسير سماسرة يسومونه أنواعاً من الاستلاب والتحكم والاستغلال، و لا تكاد تخلو إدارة من الإدارات من هذا الفساد، ومعروف جيّداً من يغطي هذا الفساد من القوى السياسية والشخصيات النافذة. وإذا كان هذا الاجتماع التشاوري سيبحث في تفعيل عمل الدولة لوضع حد لحالة الفساد، أو لحل الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، أو لوضع حد لفوضى السلاح الذي يعيث فساداً في البلد، فإن ذلك سيكون جيداً إذا كانت الشخصيات المشاركة ستتعهد بشكل قطعي برفع الغطاء عن أي مخل أو مرتكب أو مستغل بغير حق.
لكن السؤال الآخر الذي يتبادر إلى ذهن كل إنسان: أين المؤسسات؟ ولماذا لا يصار إلى تفعيل المؤسسات وهي الكفيلة بتفعيل عمل الدولة؟! لماذا لا تقوم الحكومة بدورها كما يجب وتحاسب وزراءها على تقصيرهم أو استغلالهم لمناصبهم ومواقعهم؟ ولماذا تتنازل عن بعض حقوقها وواجباتها لغيرها كما جرى في ملف قانون الانتخاب الأخير على سبيل المثال؟! لماذا لا تقوم بمتابعة عمل الوزارات والوزراء وتضع في خدمة المواطنين كل ما من شأنه التسهيل عليهم والوصول إلى حقوقهم بأقل كلفة وأسرع وقت؟! أين صارت الحكومة الإلكترونية؟ ماذا عن تفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش؟! ماذا عن منطق المحاصصات عند التلزيمات والتوظيفات، ولعل أبرز مثال حي وقريب على ذلك ما يحكى عن صفقة البواخر لإنتاج الكهرباء؟! أسئلة كثيرة توجه للحكومة حتى تقوم بتفعيل عملها خدمة للمواطن.
ثم أين المجلس النيابي ووظيفته الأساسية هي التشريع والرقابة؟! يحدثوننا عن تشريع الكثير من القوانين، وهذا شيء جيد، ولكن ماذا عن الرقابة على عمل الحكومة؟! لو كان المجلس النيابي يقوم بوظيفته الأساسية على أتم ما يكون في عملية الرقابة على الحكومة ومساءلتها ومحاسبتها، فهل كنّا بحاجة إلى اجتماع «حزبي» لتفعيل عمل الدولة؟! إن هذا الواقع يعكس بكل شفافية مدى الترهّل واللامبالاة التي وصلت إليها الدولة! 
وأما عن الحوار الوطني فتلك قصة أخرى. فأولاً يجب أن يكون هذا الحوار من خلال مؤسسات الدولة وهي موجودة (الحكومة والمجلس النيابي) ويمكن أن يطرح كل شيء في المجلس النيابي وأن يكون الحوار في أروقته بين ممثلي الشعب للوصول إلى ما يخدم الوطن لا يشكّل إقصاءً لأي من الأطراف. أما أن يصار إلى حصر الحوار مثلاً في مجموعة من رؤساء الأحزاب، وإن كانوا هم أكثر المقررين في سياسة البلد، فليس أمراً موفقاً، لأن ذلك أبعد آخرين عن دائرة الحوار، وربما كان رأي أي من المغيبين عن هذا الحوار أرفده بشيء يصب في مصلحة الوطن ما دامت المسألة هي مصلحة الوطن من خلال تفعيل عمل الدولة.
لقد شعرت الكثير من القوى السياسية التي تتمتع برصيد شعبي مقبول ومؤثر بأنها مغيّبة عن مثل هذه اللقاءات بقرار يكرّس بل يؤكد الهواجس حول الاستهداف أو الاقصاء، وبالطبع فإن ذلك لا يؤسس لحوار حقيقي وبنّاء، وقديماً قيل: «من شاور الناس شاركهم في عقولهم»، فإذا كان طابع هذا الاجتماع في قصر بعبداً تشاورياً فما الذي كان يضير أن تشارك فيه كل القوى الراغبة في تفعيل عمل الدولة والمؤسسات وتعزيز وحدة الوطن واستقراره، بل ربما هذه القوى الموجودة خارج الحكومة أكثر حرصاً وتمسّكاً بمبدأ تفعيل عمل الدولة والمؤسسات لأنها ستكون أول المستفيدين من ذلك، وأول المتخلّصين من احتكار القوى الكبرى لمقدرات الدولة واستغلالها في حسابات ضيقة وفئوية. أما أن تبقى المسألة بيد الناخبين الكبار، الذين يقررون ويفرضون ما يريدون فتلك مسألة قد يكون لها علاقة بتوزيع المنافع والمغانم أكثر مما يمكن أن تكون متصلة بتفعيل عمل الدولة المؤسسات.
الدولة موجودة، والمؤسسات قائمة، وكل ما يحتاجه المواطن اللبناني تفعيل عمل هذه المؤسسات وتحويلها إلى مؤسسات شعبية وإخراجها من سلطة الهيمنة والاحتكار، وهذا سيكون كفيلاً بإحداث نقلة نوعية ينتظرها اللبنانيون ويعلقون على رئيس الجمهورية الأمل بإحداثها.}