العدد 1385 / 6-11-2019

الدكتور وائل نجم

الحراك الشعبي الذي اندلع ليلة السابع عشر من شهر تشرين الأول الماضي على خلفية قرار الحكومة فرض ضريبة ستة دولارات على استخدام تطبيق"واتس أب" وانخرط فيه أغلب اللبنانيين متخطين الانتماءات السياسية والطائفية والمذهبية، وشمل كل المناطق والمحافظات اللبنانية بنسب مختلفة، هذا الحراك فاجأ السلطة اللبنانية، والعالم أجمع، وحتى اللبنانيين أنفسهم، بحجمه، واستمراره، وتواصله بأشكال متعددة، وقد مكّنه ذلك من تطوير وتحديث خطابه ومطالبه من رفض الضرائب، إلى إقالة الحكومة، وبالفعل خضعت حكومة العهد واستقالت، وصولاً إلى مطلب رحيل كل الطبقة السياسية وإسقاط العهد (رئاسة الجمهورية) وإسقاط النظام السياسي اللبناني بشكل عام. وقد حقّق هذا الحراك، الذي حلا للبعض أن يسمّيه "ثورة"، بعض الانجازات، وهو ما يزال يناضل من أجل تحقيق الانجازات والمطالب الأخرى، فأين الإسلاميون اللبنانيون منه يا ترى؟

وقفت الجماعة الإسلامية في لبنان إلى جانب الحراك الشعبي واتخذت موقفاً مبكراً منه فأعلنت منذ اليوم الأول وقوفها إلى جانب مطالب الناس، وانخرط شبابها وجمهورها بشكل واسع في التظاهرات الليلية، إلا أنها رفضت اللجوء إلى قطع الطرقات دون أن تمنع الناس من ذلك، كما رفضت أي صدام بين المتظاهرين أنفسهم أو مع غيرهم أو مع السلطة والأجهزة الأمنية والعسكرية، وقد طرحت الجماعة مبادرة على القوى السياسية والسلطة والمتظاهرين، تتركز في صلبها، على تلبية مطالب المتظاهرين بشكل متدرج، وتكون عبارة عن مرحلة انتقالية لستة أشهر تتضمن تشكيل حكومة كفاءات مصغرة, ويليها بعض الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تصب في مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة للدولة، ووضع حد للفساد الاداري والقانوني وغيره، وتقصير ولاية المجلس النيابي وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، فضلاً عن التشريعات المطلوبة لحماية المواطنين ووضع حد للفساد. ويشار إلى أن هذه المبادرة لم تلق آذاناً صاغية من السلطة التي ما تزال إلى الآن تصمّ آذانها عن مطالب المتظاهرين. ولم تخف الجماعة قلقها من تسييس الانتفاضة أو استغلالها من أطراف داخلية أو خارجية، وأكدت أن مشاركة أفرادها تهدف إلى حماية المطالب الشعبية من أي تسييس.

من جهتها هيئة علماء المسلمين في لبنان انحازت إلى جانب الحراك الشعبي ومطالبه، واعتبرته مشروعاً، خاصة وأن الجماهير خرجت إلى الشوارع والساحات تطالب بوقف الهدر والفساد والسرقة، وإعطاء الناس حقوقهم الاجتماعية والرعائية، وانخرط بعض أعضاء الهيئة بصفة فردية في التظاهرات، كما حذّرت الهيئة من الفتنة أو الصدام مع القوى الأمنية أو العسكرية أو مع أية ساحة أخرى.

بدورها دار الفتوى وهي المرجعية الرسمية للمسلمين في لبنان، ويعتبر المفتي هو رأسها الديني الرسمي، تريّثت ابتدءاً في إصدار أي موقف من الحراك الشعبي، إلا أن ثبات المتظاهرين في الساحات، ومطلب مكافحة الفساد وتحقيق المطالب الاجتماعية دفع المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان إلى التصريح بمساندة مطالب الناس المحقة، والدعوة إلى تحقيق مطالبهم، مع التنبيه إلى الوقوع في فخ الفراغ أو الفوضى.

وكذلك فعلت دور الفتوى في المناطق اللبنانية بمساندتها للحراك الشعبي والوقوف إلى جانبه.

اتفق الاسلاميون في لبنان على توصيف الحراك الشعبي وعلى أحقية مطالب الناس، فوقفوا إلى جانب الفقراء والبسطاء وعامة الناس، ومن دون أن يتجاهلوا محاولات الاستغلال السياسي الداخلي والخارجي لهذا الحراك، فأكدوا أن مشاركتهم فيه كانت تعبيراً عن الوقوف إلى جانب الناس، وحماية لهذا الحراك من أي استغلال داخلي أو خارجي يخرجه عن مطالب الناس المحقّة.