العدد 1398 / 29-1-2020

شكل انعقاد المجلس النيابي بالشكل والمضمون لاقرار موازنة العام 2020 علامة لافتة في الصراع السياسي الدائر في لبنان منذ انطلاق الحراك الشعبي في 17 تشرين أول 2019 .

فمن ناحية الشكل وكنتيجة لانتفاضة اللبنانيين المستمرة منذ 17 تشرين اول 2019 انعقدت جلسة مناقشة الموازنة في ظل الأسوار والجدران الاسمنتية التي وضعت من أجل حماية مجلس النواب والسراي الحكومي وهو ما جعل وسط بيروت شبيهاﹰ بجدار الفصل العنصري الذي أقامته الصهاينة في فلسطين المحتلة .

واما في المضمون فقد بدت موازنة العام 2020 التي اريد لها ان تكون بداية الحل للازمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان بعد اقرارها من قبل حكومة الرئيس سعد الحريري ، كاللقيط الذي لا يعرف له أب ولا أم ، فالوزير جبران باسيل رئيس كتلة لبنان القوي وعراب الحكومة الحالية تغيب عن الجلسة بسبب عملية التسلم والتسليم في وزارة الخارجية ، وانتظر الرئيس بري وصول اعضاء كتلة المستقبل النيابية من أجل تأمين النصاب للجلسة التي "عملنا السبعة وذمتها ودخلنا الجيش لنتمكن من عمل الجلسة" كما قال الرئيس نبيه بري ، وقد انعقدت الجلسة على وقع التحركات الاحتجاجية من قبل انصار الحراك الشعبي وجرى اقرارها خلال اربع ساعات بأكثرية 49 نائباﹰ فقط لا غير ، وهي بذلك تتحدث عن نفسها ولا حاجة للقول فيها أكثر مما قال النائب جميل السيد في كلمته اثناء مناقشة الموازنة حيث اعتبر "انه من الجريمة ان تصدر الموازنة كما هي" . مشيرا الى ان "الايرادات المتوقعة أصبحت شبه خالية بفعل الواقع الخاص للمواطن الذي فيدته المصارف وبفعل الواقع بين المواطن والدولة" .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ماهي الاسباب التي دفعت لاقرار هكذا موازنة ؟

قبل الدخول في هذه الاسباب لابد من التوقف عند نقطة اساسية وهي ان الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها اللبنانيون في هذه الايام سببها الخلاف السياسي لأهل الحكم مع بعضهم البعض ، ورفضهم لمطالب الاصلاح ومحاربة الفساد التي يطالب بها اللبنانيون منذ 17 تشرين اول 2019 حتى الآن .

في ضوء هذه الحقيقة يمكن فهم الاسباب التي ادت لاقرار هكذا موازنة وصفها احد نواب الشعب "بالجريمة" .

اول هذه الاسباب محاولة ايصال رسالة الى المجتمع الدولي ان قوى السلطة مازالت قوية وقادرة على ادارة شؤون الدولة رغم الحجم الكبير للاعتراض الشعبي عليها والذي يرفض الاعتراف بشرعيتها الدستورية والسياسية .

الا انه ورغم نجاح قوى السلطة في تمرير مشروع الموازنة فان حصولها على اصوات 49 نائباﹰ فقط لاغير من اصل 128 نائباﹰ هم عدد النواب في المجلس النيابي ، وبسبب مشاركة 70 نائباﹰ فقط في جلسات الموازنة ، فان ذلك كان ابلغ رسالة الى المجتمع الدولي ان قوى السلطة مأزومة زمهزومة وخائفة من الشعب ، ولذلك عقدت الجلسة النيابية في ظل جدران واسوار العار التي تحيط بالمجلس النيابي والسراي الحكومي ، ولذلك فان الرسالة السياسية التي اردتها قوى السلطة وصلت الى المجتمع الدولي ولكنها وصلت سلبية جدا ، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان بالقول :"سنتخذ موقفاﹰ من الحكومة بعد اعلان بيانها الوزاري" . اما السبب الثاني لاقرار الموازنة فهو القول للبنانيين ان اقرار موازنة العام 2020 هو بداية لحل الازمات الاقتصادية والمالية التييعاني منها اللبنانييون , لكن غاب عن بال هؤلاء ان الازمة الاقتصادية يعيشها لبنان تخطت واقع وارقام موازنة العام 2020 التي كانت تعول على مساعدات مؤتمر سيدر 1 المقدرة ب 10,8 مليار دولار، وقد اكد خبير اقتصادي "انه في المدى المنظور لم يعد واردا الرهان على حلول وردت في مؤتمر سيدر" الذي وعد عام 2018 بتوفير 11 مليار دولار لانفاقها على مشاريع يمتد تنفيذها نحو خمس سنوات . وصار المطلوب اليوم قرابة 25 مليار دولار حد ادنى و 50 مليار دولار حد اقصى مدى الاعوام الخمسة المقبلة" ، ولذلك فان موازنة العام 2020 وبعد تبني الرئيس حسان دياب لها يعني القفز في المجهول بكل مافي الكلمة من معنى .

باختصار ، قوى السلطة مجتمعة ارادت من خلال اقرار موازنة 2020 تجاهل مطالب ومعاناة اللبنانيين ، واعتماد سياسة الهروب الى الامام لعل وعسى تطرأ تطورات اقليمية ودولية تسمح لها بالمزيد من الوقت في البقاء بالسلطة ، ولو كان ذلك على حساب خراب لبنان .

بسام غنوم