بسام غنوم

عاش مخيم عين الحلوة جولة جديدة من جولات العنف المتكررة التي تضرب المخيم الذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان، لكونه المخيم الأكبر الذي يضم ما يقارب مئة ألف نازح فلسطيني.
وتكمن أهمية مخيم عين الحلوة في أنه المخيم الأكبر للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأيضاً في موقعه الاستراتيجي بمدينة صيدا، حيث يستطيع من يسيطر على المخيم أن يقطع طريق بيروت - الجنوب، ويهدد الوجود الكبير للطائفة الشيعية في جنوب لبنان، وكذلك يشكل تهديداً للقوات الدولية العاملة في لبنان.
هذه الأهمية الاستراتيجية لمخيم عين الحلوة هي التي تثير قلق الأجهزة الأمنية اللبنانية أولاً، والثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل ثانياً، والدول المشاركة في القوات الدولية العاملة في الجنوب ثالثاً، وخصوصاً بعد لجوء عدد كبير من المطلوبين للأجهزة الأمنية إلى المخيم، ولا سيما مطلوبو منطقة الشمال، أمثال شادي المولوي وغيره، ومع بروز ظاهرة الجماعات المتطرفة في المخيم، مثل جماعة بلال بدر التي أصبحت تشكل عبئاً أمنياً كبيراً على أهالي مخيم عين الحلوة والفصائل الإسلامية والوطنية أولاً، وعلى المحيط المحاذي للمخيم ثانياً. لذلك أصبح الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة هاجساً كبيراً للجميع، بمن فيهم أهاليه الذين أصبحوا بين شقي رحى:
الأول هو وجود جماعات مختلفة في المخيم، حيث لا ضابط ولا جامع يجمعها، وهو ما أدى إلى تفشي ظاهرة السرقة والاغتيالات وتجارة المخدرات، والأهم حالة الفلتان الأمني.
والثاني الضغوط التي تمارسها الأجهزة الأمنية على أهالي المخيم وعلى الفصائل الفلسطينية بسبب حالة الفلتان الأمني في المخيم، وهو ما أدى إلى جعل الحياة بالنسبة إلى أكثر من ألف فلسطيني في المخيم صعبة جداً، بل يمكن القول إنها أصبحت شبه مستحيلة.
هذا الوضع أدى إلى الانفجار الكبير الأخير في المخيم. لكن السؤال هو: هل يكون هذا الانفجار هو الانفجار الأخير؟
قبل الحديث عن أن الاشتباك الأخير في المخيم، قد يكون الاشتباك الأخير أو (قد) لا يكون، لا بدّ من التذكير بحالة الخلافات الفصائلية القائمة في مخيم عين الحلوة، ولا سيما في صفوف حركة فتح، التي كان لها السبب الرئيسي في معظم حالات الاشتباك والفلتان الأمني في المخيم.
فحركة فتح منقسمة على نفسها بين جماعة دحلان التي يتزعمها اللينو، وجماعة أبو مازن التي لها رؤوس كثيرة مثل منير المقدح، واللواء صبحي أبو عرب، والسفير الفلسطيني أشرف دبور، وفتحي أو العردات وغيرهم، وهذه الرؤوس تتنافس في ما بينها على كل شيء، سواء بالنسبة إلى القرار السياسي والأمني، أو الإمكانات المادية، إضافة إلى صراعها مع فريق محمد دحلان بزعامة اللينو الذي أصبح يشكل هاجساً لها بسبب الامكانات المادية الكبيرة التي يتمتع بها فريق محمد دحلان الذي يمتد نفوذه من الضفة الغربية وغزة الى مخيم عين الحلوة وكل المخيمات الفلسطينية في لبنان.
الفريق الثاني الموجود في المخيم، هو فصائل قوى التحالف الفلسطيني الذي يضم حركة حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية الأخرى غير المنتمية الى منظمة التحرير الفلسطينية مثل القيادة العامة، والصاعقة وحركة فتح الانتفاضة... الخ.
وأما الفريق الأخير، هو القوى الإسلامية في المخيم التي تضم عصبة الأنصار والحركة الإسلامية المجاهدة، وحركة أنصار الله.
ويضاف الى هذا الوجود المتعدد والمتنوع الجماعات المتطرفة مثل جماعة بلال بدر، وأيضاً سرايا المقاومة التابعة لـ«حزب الله» وإن كان وجودها ليس في داخل المخيم، بل على أطرافه وفي منطقة تعمير عين الحلوة.
هذه الفسيفساء الفصائلية والأمنية هي السبب الأساسي في الاشتباكات والإشكالات الأمنية التي تعصف بالمخيم بين فترة وأخرى.
لكن بسبب الضغوط الأمنية التي تمارسها الأجهزة الأمنية اللبنانية على الفصائل الإسلامية والوطنية في المخيم من أجل إلقاء القبض على بعض المطلوبين من الجماعات المتطرفة مثل جماعة بلال بدر، تحولت الأنظار في هذا الاتجاه، خصوصاً أن بلال بدر وجماعته لم يستشعروا حجم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها أهالي المخيم والفصائل الفلسطينية والقوى الإسلامية، وبدلاً من الانسجام مع الخطة الأمنية التي أقرتها القوى الإسلامية والوطنية وتهدئة الأمور في المخيم، قام بلال بدر وجماعته بإطلاق النار على القوة الأمنية، وحاول منع انتشارها في حيّ الطيرة بالقوة، وهو ما أدى إلى الانفجار الكبير حيث سقط عشرات القتلى والجرحى من أهالي المخيم، إضافة إلى الدمار الكبير الذي لحق بالأحياء التي جرت فيها الاشتباكات، وبعد ذلك اضطر الى الموافقة على تسوية أمنية أقرتها الفصائل الفلسطينية والقوى الإسلامية وقضت أولاً بتفكيك المربع الأمني لجماعته في حي الطيرة.
ثانياً: انتشار القوة الأمنية في حي الطيرة وكل أحياء مخيم عين الحلوة.
ثالثاً: اعتبار بلال بدر مطلوباً من قبل القوة الأمنية التي ستقوم باعتقاله وتسليمه للقوى الأمنية اللبنانية في حال إلقاء القبض عليه.
وقد حظي هذا المخرج برعاية الرئيس نبيه بري، والقوى السياسية في صيدا وعلى رأسها بهية الحريري والجماعة الإسلامية، وكذلك بموافقة الأجهزة الأمنية اللبنانية.
باختصار، نأمل أن يكون ما جرى في مخيم عين الحلوة هو الإشكال الأمني الأخير، وان يشكل وجود القوة الأمنية الفصائلية حلاً لكل الصراعات والإشكالات في المخيم، وإلا فإن أي انفجار آخر سيؤدي إلى نهر بارد جديد، وهذا ما لا يتمناه أحد لعاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان، مخيم عين الحلوة.