بسام غنوم

في غمرة انشغال اللبنانيين بالمشاورات التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة العهد الأول، التي من المفترض أن ترسل رسائل أمن واطمئنان الى اللبنانيين أولاً، وإلى الأشقاء العرب والمجتمع الدولي ثانياً، فوجئ اللبنانيون بالاستعراض العسكري الكبير الذي أقامه «حزب الله» في بلدة القصير في ريف حمص الجنوبي، في ذكرى «يوم الشهيد» والذي شمل عرضاً للقدرات العسكرية الجديدة لـ«حزب الله»، حيث أظهرت صور الاستعراض عدداً كبيراً من الدبابات وناقلات الجند المدرعة، وكان لافتاً أن هذه الناقلات وبعض الدبابات أميركية الصنع، وأظهر الاستعراض العسكري أيضاً بعضاً من الأسلحة العسكرية المتطورة التي تشمل الصواريخ والمدافع، وهو ما دفع كثيراً من المحللين والسياسيين الى التساؤل عن أسباب هذا الاستعراض العسكري الكبير وحجمه. هل هو موجه إلى اللبنانيين، وخصوصاً الى الذين يعارضون سياسة حزب الله في لبنان وسوريا؟ أم هو موجه إلى بعض الجهات الإقليمية والدولية، في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ أم أن هذا الاستعراض له أبعاد مختلفة مرتبطة بالداخل اللبناني، وبالعهد الجديد، وبالرئيس المكلف سعد الحريري؟
هذه الأسئلة، وغيرها كثير، أثارها الاستعراض العسكري لـ«حزب الله»، الذي كان لافتاً على الصعيد الداخلي غياب التعليقات الرسمية عليه، سواء من الرئيس ميشال عون، أو من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري. فهل هذا الصمت هو أولى رسائل العهد الجديد، أم أن «حزب الله» أراد أن يقول أشياء للبنانيين وللقوى الإقليمية والدولية؟
في البداية، يمكن القول إن أولى الرسائل السياسية لعرض «حزب الله» العسكري في منطقة القصير بريف حمص الجنوبي، هي أن حزب الله بقدراته العسكرية الجديدة أصبح خارج البحث اللبناني في ما يتعلق بتطبيق اتفاق الطائف الذي ينص في أحد مندرجاته على حصر السلاح في يد السلطات الشرعية اللبنانية فقط لا غير. وبالتالي إن حديث الرئيس ميشال عون في خطاب القسم عن تطبيق اتفاق الطائف، وعن النأي بلبنان عن الصراعات الخارجية لا يعني «حزب الله» من قريب أو بعيد، وبالنسبة إلى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، فإن رسالة الحزب العسكرية تقول إن سلاح حزب الله ومشاركته في القتال في سوريا والعراق واليمن هي خارج البحث، وهذه أسوأ الرسائل التي يمكن أن يتلقاها الرئيس عون والرئيس الحريري في بداية العهد الجديد، ولذلك خيم الصمت الثقيل على الساحة السياسية حول هذا الاستعراض، فماذا يمكن أن يقول الرئيس ميشال عون للبنانيين بعد خطاب القسم، وهو يرى حزب الله يقوم بهذا العرض العسكري الكبير، وماذا يمكن ان يفعل الرئيس المكلف سعد الحريري وهو الذي قبل انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية من أجل منع لبنان من الانهيار كما قال؟ هل يمكنه الاعتراض على استعراض «حزب الله» العسكري، أم أنه قرر المضي في سياسة طأطأة الرأس؟ وما ردّ فعل اللبنانيين على هذا الأمر، وخصوصاً البيئة الشعبية الحاضنة لـ«تيار المستقبل»؟
وإذا كانت هذه هي بعض التساؤلات السياسية الداخلية على استعراض «حزب الله»، لكن هناك تساؤلات لبنانية وخارجية كثيرة حول الأسلحة الأميركية التي ظهرت في العرض العسكري، ولا سيما ناقلات الجند المدرعة م 113، وبعض الدبابات الأميركية الصنع التي يقال إنها من المساعدات العسكرية الأميركية والخليجية المقدمة الى الجيش اللبناني. وهذا الأمر إذا صح فإنه سوف ينعكس على المساعدات العسكرية للبنان وعلى جاهزية الجيش اللبناني. فهل بعض صور العرض العسكري لـ«حزب الله» كانت تريد هذا الهدف؟
هذه بعض النقاط الداخلية التي أثارها الاستعراض العسكري لـ«حزب الله»، لكن ماذا على الصعيدين الإقليمي والدولي؟
حزب الله يقول عن الاستعراض على لسان هاشم صفي الدين عضو شورى القرار في الحزب إن هذا العرض يؤكد «الاستمرار بخيار المقاومة حتى الانتصارعليهم ودحرهم».
لكن يبدو أن ما تريده إيران من هذا العرض العسكري هو غير ذلك، فقد اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال الملتقى الدولي «للأزمات الجيوسياسية في العالم الإسلامي» الذي عقد في طهران بالتزامن مع استعراض حزب الله «أن حزب الله يعتبر اليوم عامل أمن واقتدار في العالم الإسلام»، وسبق ذلك بأيام إعلان إيران إقامة مصانع للصواريخ والأسلحة في حلب والعراق.
وبذلك، تكون الرسالة الإقليمية والدولية لعرض حزب الله في القصير مرتبطة، إضافة الى الواقع اللبناني الداخلي، بالوضع الإقليمي المتوقع أن يشهد تغيرات في الفترة المقبلة بعد تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مهماته في بداية السنة الجديدة، وهو الذي يبدي حرصاً على العلاقة مع روسيا، وفي نفس الوقت يريد تعديل الاتفاق النووي مع إيران والحدّ من نفوذها هي والميليشيات التابعة لها في سوريا.
أما حديث بعض الأوساط الإعلامية المرتبطة بـ«حزب الله» عن أن هذا العرض في القصير إنما هو «رسالة قوية» لإسرائيل والتكفيريين فليس أكثر من ذرّ للرماد في العيون، لأن «إسرائيل» على الحدود مع لبنان والجولان، وليس في حلب ودمشق والموصل.