بسام غنوم

أثار التصعيد في موضوع دعم الجيش اللبناني بعد العملية  التي قام بها الجيش في عرسال، والمطالبة بالتحقيق في مقتل أربعة من النازحين السوريين بعد اعتقال الجيش اللبناني لهم الكثير من التساؤلات عن خلفية ما يثيره البعض بأن الجيش اللبناني خط أحمر، وأن الذين قُتلوا إرهابيون، وأنّ من غير المسموح التشكيك في الجيش اللبناني وقيادته.
هذه الحملة التي تولاها «حزب الله» وفريق 8 آذار تحت عنوان الدفاع عن الجيش، مقابل اتهام الطرف الآخر الذي يريد حماية الجيش من أية تداعيات على الصعيد الشعبي والطائفي بعد مقتل النازحين السوريين الأربعة بـ«حماية الإرهاب» يبدو أن لها أهدافاً أخرى مرتبطة بالدعوة الى فتح قنوات التواصل مع النظام السوري، على اعتبار أن الوضع في سوريا تغير الى مصلحة النظام السوري وما يسمى «محور الممانعة»، وبالتالي المطلوب من رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وفريقه السياسي التخلي عن «الخطابات الشعبوية التي أكل عليها الدهر وشرب»، و«أن تكف الحكومة عن بعض الدلع والمزاح في مقاربة المسائل الكبرى العالقة» كما قال النائب محمد رعد. وقد تزامنت هذه الحملات التي ترفع شعار دعم الجيش مع حملة إعلامية منسقة للترويج لعملية عسكرية يقوم بها «حزب الله» في بلدة عرسال وجرودها من أجل «التخلص من بقايا الإرهابيين» الموجودين في هذه المنطقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه الأجواء السياسية والإعلامية التي يروجها «حزب الله» وفريق 8 آذار هو: هل يريد «حزب الله» توريط لبنان والجيش اللبناني في معركة عرسال التي يحضر لها بالتنسيق مع النظام السوري؟
نبدأ أولاً من دعوة الشيخ نعيم قاسم الحكومة اللبنانية قبل أسبوعين إلى فتح قنوات التواصل مع النظام السوري من أجل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وقد رفضها الرئيس سعد الحريري والكثير من القوى السياسية، باعتبار أنه لا يمكن التفاوض مع من هو مسؤول فعلاً عن أزمة النزوح السوري في لبنان والمنطقة، وأن الحكومة ملتزمة سياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية، وبالتالي إن فتح الحوار مع النظام السوري مرفوض.
هذه الدعوة يبدو أنها كانت بمثابة إعلان لمرحلة تطبيع علاقات لبنان مع النظام السوري من باب عودة النازحين السوريين في لبنان إلى سوريا.
وهذه المرحلة على ما يبدو تتطلب أمرين: الأول تطويع الموقف السياسي لرئيس الحكومة سعد الحريري من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات اللبنانية السورية، لأنّ من الضروري «أن تكفّ الحكومة عن بعض الدلع والمزاح في مقاربة المسائل الكبرى» كما قال النائب محمد رعد.
والأمر الثاني مرتبط بالوضع في عرسال ومحيطها، إذ بحسب النائب محمد رعد «هناك بؤر إرهابية لا تزال تتخذ الجرود اللبنانية مواقع لها»، مؤكداً «ضرورة إزالتها لتأمين لبنان من الخطر الإرهابي المحدق» كما قال.
وقد استغل «حزب الله» وفريق 8 آذار ما جرى في عرسال والدعوات للتحقيق في مقتل أربعة سوريين اعتقلهم الجيش اللبناني من أجل اتهام الطرف الآخر بـ«حماية الإرهاب».
وقد كشفت هذه المواقف السياسية والإعلامية لـ«حزب الله» وفريق 8 آذار أنهم يريدون فعلاً توريط لبنان والجيش اللبناني بالأزمة السورية من باب أزمة النازحين، والوضع الأمني في عرسال وجرودها.
ولذلك تحرك الرئيس سعد الحريري على محورين: سياسي وأمني، لمواجهة هذه الدعوات والتحركات، لأن التطبيع مع النظام السوري من باب عودة النازحين السوريين هو دخول من الباب الخاطئ في العلاقة اللبنانية - السورية، في ظل استمرار الأزمة في سوريا ودخول الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والدول الكبرى في عملية سياسية وعسكرية من أجل ايجاد حل للأزمة في سوريا، وبالتالي فلا مصلحة سياسية للبنان في الدخول بملف الأزمة السورية في مرحلة التفاوض بين القوى الكبرى حول سوريا ومستقبل النظام السوري، وهذا الموقف للرئيس سعد الحريري لا يريح «حزب الله» ولا يرضي حلفاء سوريا في لبنان، ولذلك هناك حملة كبرى عليه من أجل تطويع موقفه السياسي بما يتناسب مع حسابات «محور الممانعة».
أما على المحور الأمني، فإن الرئيس سعد الحريري أكد لقائد الجيش جوزف عون ان «الدعم السياسي للجيش هو دعم غير مشروط.. ومن يحاول ان يصطاد في الماء العكر فليخيطوا بغير هذه المسلة»، وفي ما يتعلق بالتحقيق بمقتل النازحين السوريين الأربعة حذر الرئيس الحريري من أي «تشكيك في التحقيق الذي تقوم به قيادة الجيش»، وذكرت مصادر إعلامية «ان التحقيق الذي يشرف عليه القضاء المختص ومديرية القانون الدولي الإنساني في الجيش، والذي تتعامل معه القيادة بدعم مطلق، سيكون شفافاً وسيصدر في الأيام المقبلة».
وفي رد على دعوة «حزب الله» لفتح معركة في عرسال، أكد الرئيس الحريري أنه يعارض فتح «حزب الله» معركة في عرسال، لأن مثل هذه المعركة لن تكون معروفة النتائج سلفاً بحسب الخبراء العسكريين، وهو ما قد يترك أثره على مجمل الوضع الأمني في لبنان، وهذه الرؤية تؤيدها قيادة الجيش اللبناني التي تعلم حقيقة الوضع في عرسال وجرودها.
باختصار، أزمة سياسية جديدة يدخلها لبنان تحت عنوان معالجة أزمة النازحين السوريين، فيما الأزمات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية الأكثر إلحاحاً يجري تأجيلها وتأخيرها إلى إشعار آخر. فهل بهذه الطريقة نحمي لبنان واللبنانيين؟}