لم يظهر لبنان رهيناً لنزاعات السياسيين الداخليين، كما يظهر حالياً مع استمرار تعثّر مهمة الرئيس المكلف، سعد الحريري، في تشكيل حكومة جديدة تحظى برضى مختلف الأفرقاء. وكلما استمر التعثر ظهر أكثر فأكثر النزاع الداخلي بين المعسكرات السياسية اللبنانية على تقاسم الحصص: معسكر رئيس الجمهورية، ومعه حزب الله وقوى سياسية أخرى، يسعى إلى حكومة تضمن له الثلث الضامن (أو المعطل) الذي يسمح له بالتحكّم في كل قرارات الحكومة، ولديه القدرة على شلّها وتعطيل عملها متى شاء. في المقابل، معسكر رئيس الحكومة، سعد الحريري، ويسعى إلى حكومة توافق وطني، لا تكرّس هيمنة طرف سياسي على آخر، وهو يعتمد خصوصاً على النواب السّنة من تيار المستقبل، وعلى دعم النواب المسيحيين من حزب القوات اللبنانية، بالإضافة إلى دعم خفي من قوى سياسية تقليدية أخرى، تُعارض ضمناً نهج العهد الجديد في الاستحواذ على السلطة، وتوجهات الرجل القوي في التيار الوطني الحر، جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، نحو التّدخل في التركيبة الحكومية، إلى حد اتهامه بعض الأطراف له بعرقلتها. 
ليست المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان أزماتٍ حكومية أو رئاسية، وهو الذي عاش فترة طويلة تحت الوصاية التي كانت تتحكّم في تشكيل حكوماته. وليست المرة الأولى التي يلاقي فيها سعد الحريري صعوبة في تشكيل حكومته، فالحكومة التي كلف بها بعد انتخابات عام 2009 البرلمانية رأت النور بعد مرور خمسة أشهر. وحقّق الرئيس تمام سلام رقماً قياسياً، ففي سنة 2014 استغرق تشكيل حكومته 315 يوماً. وقبل انتخاب الرئيس ميشال عون، ظل منصب رئاسة الجمهورية شاغراً عامين. لكن الشغور في المناصب وحكومات تصريف الأعمال مؤشرات مقلقة على الأزمات الداخلية التي يمر بها لبنان، والتي تتجلّى اليوم في التعثر الحالي. والمقلق في أزمة التشكيل الحكومية هو المرحلة الخطرة التي تمر بها المنطقة، وتصاعد المخاوف من حدوث تدهورٍ للأوضاع على الحدود اللبنانية - الفلسطينية، بسبب المعارضة الإسرائيلية للوجود العسكري الإيراني في سورية، وأيضاً بسبب تصاعد التوتر الأميركي - الإيراني، بعد فرض العقوبات الدولية على إيران، وانعكاسات ذلك على الوضع الداخلي اللبناني، فضلاً عن الوضع الحرج الذي يمر به الاقتصاد اللبناني. 
تتعدّد التأويلات لأسباب التعثر الحكومي. يعزوه الموالون لحزب الله إلى تدخل سعودي.
«الشغور في المناصب وحكومات تصريف الأعمال مؤشرات مقلقة على أزمات لبنان الداخلية». وتردّها أوساط الحريري إلى تدخّل إيراني، بينما يرى محللون لبنانيون آخرون محاولةً من رئاسة الجمهورية، لفرض قواعد جديدة على عملية التشكيل الحكومية، على حساب صلاحيات رئيس الحكومة في هذا الشأن. وهناك من ربط بين مصير الحكومة العتيدة ومعركة منصب رئاسة الجمهورية بعد أربع سنوات، مستندين في ذلك إلى حديث رئيس الجمهورية عن تقدّم صهره جبران باسيل على غيره من المرشّحين، وإلى هامش الحرية الواسع المعطى لهذا الرجل. وقد حرّكت إثارة هذا الاحتمال مخاوف كبيرة داخل الطائفة المارونية من تكريس مبدأ التوريث في موقع الرئاسة الأولى. 
وهناك أيضاً الخلافات على الأحجام الحقيقية للأحزاب والقوى السياسية، كما لو أن نتائج الانتخابات أخيراً عزّزت الغموض، وعمّقت النزاعات، بدلاً من حسمها. وهناك من يتخوّف من أن يؤدي التّعنت بين الأفرقاء السياسيين على توزيع الحصص إلى تمديد الأزمة، والتعطيل إلى فترة غير محدودة، على الرغم من أن الخاسر الأكبر من ذلك سيكون العهد الجديد. 
إزاء هذا الوضع الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، يُطرح السؤال: أي دورٍ يلعبه حزب الله الذي يملك أكبر قوة عسكرية في لبنان في هذا الموضوع؟ على الرغم من إصرار زعماء الحزب على موقفهم الحيادي، وأنهم يدعمون خيارات حليفهم التيار الوطني الحر، ويحافظون ظاهرياً على علاقةٍ جيدة مع الرئيس المكلف، هناك من يربط بين موقف الحزب من مسألة التأليف وتطورات الوضع في سورية، ففي رأي محلل سياسي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، إن للتعقد في التشكيلة الحكومية في لبنان علاقة بهواجس حزب الله إزاء مستقبل وجوده في سورية بعد انتهاء الحرب الأهلية، وتطوّر الموقف الروسي من الوجود العسكري الإيراني في سورية، ومدى خضوعه للتأثير الإسرائيلي، وهل ستبقى سورية محطةً أساسية لانتقال السلاح المتقدّم إليه بعد سيطرة الأسد الكاملة على بلاده. وفي مرحلة عدم اليقين هذه، يفضّل الحزب قيام حكومة لبنانية موالية له بالمطلق، لحماية مكانته الداخلية ومصالحه الإقليمية. 
جميع هذه التأويلات والتفسيرات لتعثّر تشكيل الحكومة اللبنانية لا يمكنها أن تبرّر بقاء أمن لبنان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري رهين معسكراتٍ سياسيةٍ متخاصمةٍ، لا ترى الخطر الأكبر الذي يتربّص بدولة لبنان وشعبه، إذا استمرّت في عرقلة التشكيلة الحكومية إلى ما لا نهاية.}