العدد 1510 /27-4-2022

الانتخابات البرلمانية في لبنان فرصة دورية لاستعراض الشعارات بين القوى السياسية المختلفة. يبدأ هذا الاستعراض من خلال أسماء اللوائح، التي تنوعت وتشكلت كالعادة تبعاً لاتجاهات وظروف متباينة.

في الخامس من نيسان الحالي، أعلن وزير الداخلية في لبنان، بسام مولوي، عن إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في 15 أيار المقبل، بمشاركة 103 لوائح، في الدوائر الـ15 المقررة، وفق قانون الانتخابات النسبي.

تباين عدد اللوائح بحسب كلّ دائرة، أكثرها في دائرة الشمال الثانية (طرابلس، المنية، الضنية) وعددها 11، تليها بيروت الثانية بـ10 لوائح، فيما أقلها في الجنوب الثالثة (النبطية، بنت جبيل، مرجعيون وحاصبيا) وعددها 3 لوائح، ثم الجنوب الثانية (صور، قرى صيدا) وعددها 4.

ومن الواضح أن المنافسة جنوباً شبه مستحيلة لثنائي حركة أمل وحزب الله ومن معهما، فيما ترتفع حدة المنافسة في الدوائر التي لا نفوذ انتخابياً كاسحاً للثنائي فيها.

وبينما يغرق لبنان في أزمة اقتصادية خطيرة، متعددة العناصر، تأتي الانتخابات وسط انسداد للحلول السياسية لدى أقطاب الحكم، وانسداد للآفاق لدى الفئات الشعبية التي حققت إنجازاً بحراكها الثوري ضدّ المنظومة الحاكمة في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ثم انكفأت بعد ذلك لظروف شتى، حتى بات الحراك من أجل تحقيق العدالة وكشف الحقيقة حول انفجار مرفأ بيروت (في 4 أغسطس/آب 2020)، مجرد حراك خجول يخصّ أهالي الضحايا المباشرين غالباً، من دون أن يستقطب كثير اهتمام.

في هذه الأجواء، تأتي الانتخابات لتحرك بعض الركود في الساحة السياسية، لكن شعاراتها تعكس ابتعاداً عن الواقع في كثير من الأحيان، إذ إن القوى السياسية تستغل حالة الاستقطاب حول الموقف السياسي أكثر بكثير من العمل من أجل وطن حرّ سيّد مستقل قادر، ينعم فيه المواطنون بالمساواة وتكافؤ الفرص والرفاهية، حتى لو ضمّنت كلّ هذه العناصر في خطابها.

أسماء اللوائح الانتخابية

في مقاربة سوسيو-معرفية، يمكننا استقراء أسماء اللوائح الـ 103، كمؤشر للخطاب السياسي القائم، من خلال التقسيم الآتي:

1ـ المناطقية: من المعروف أن لبنان ليس دائرة انتخابية واحدة، لكن النائب ليس نائباً لمنطقة وحدها من دون بقية مناطق الوطن، بل يفترض به أن يكون نائب الأمة، الذي تتحدد واجباته ومهامه في المشاركة بنقاش واقتراح وسنّ قوانين تشمل كل المواطنين أينما كانوا، سواء في دائرة ترشيحه أو في غيرها.

في كل الأحوال، لا يعمل النائب بغير أجندته الحزبية القائمة على توازنات وتحالفات و"ثوابت" تتغير مع الوقت. لكن في أضعف الإيمان، يفترض ألّا تعكس لوائح مرشحي الأمة، مثل هذه الانتماءات المناطقية الضيقة، لكنها برزت من خلال 38 لائحة هي:

زحلة السيادة، زحلة الرسالة، زحلة تنتفض، بقاعنا أولاً، سهلنا والجبل، معاً لصيدا وجزين، وحدتنا في صيدا وجزين، صوت الجنوب، النهوض لعكار، الوفاء لعكار، عكار، عكار التغيير، عكار أولاً، عكار تنتفض، شمال المواجهة، شمالُنا، وحدة الشمال، بيروت مدينتي، بيروت نحن لها، كنا ورح نبقى لبيروت، بيروت التغيير، بيروت بدها قلب، بيروت تواجه، بيروت مدينتي، لبيروت، لتبقى بيروت، نعم لبيروت، هيدي بيروت، وحدة بيروت، كنا ورح نبقى للمتن، متن التغيير، متن الحرية، متنيون سياديون، بعبدا التغيير، بعبدا السيادة والقرار، بعبدا تنتفض، الجبل ينتفض، الجبل.

2ـ الوطنية: في المقابل، تبرز الوطنية كمحرك أساسي، يعيد لصفة النائب اعتبارها، كممثل للأمة ككل، وإن استمر السجال حول نواب لا يبادرون إلى شيء يدلّ على هذه الوطنية حين يحتمون بمناطقهم وأحزابهم ولا يدافعون عن حقوق المواطنين كلّ المواطنين، أو يعملون لأجل لبنان ككلّ.

كما تبرز في هذا الإطار محركات وطنية كبرى من دون ربطها بالمناطقية والحزبية، كالسيادة والاستقلال وغيرهما. هنا تبرز 17 لائحة، هي: سياديون مستقلون، القرار الوطني المستقل، بناء الدولة، الدولة الحاضنة، الاعتدال الوطني، نحو المواطنة، الجمهورية الثالثة، إنقاذ وطن، لبنان لنا، نبض الجمهورية القوية، لبنان السيادة، لوطني، صرخة وطن، قلب لبنان المستقل، نحو الدولة، الوفاق الوطني، سيادة وطن.

3ـ التغيير: المنظومة الحاكمة في لبنان تستشرس في الدفاع عن مصالحها ومصالح من تمثلهم لا سيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

وبعد بروز معارضة كبيرة للنهج القائم من أطراف شتى، تباينت هويات القوى التغييرية، فبعضها يريد التغيير الشامل ويرفع شعار "كلن يعني كلن"، بينما آخرون كانوا أو ما زالوا جزءاً من المنظومة الحاكمة تلك، ويريدون تغييراً على مقاسهم. انعكس مفهوم التغيير، من خلال أسماء 13 لائحة (مع استثناء لوائح قرنت التغيير بمنطقة معينة)، كالآتي: التغيير، نحو التغيير، ائتلاف التغيير، صوت التغيير، نحن التغيير، ننتخب للتغيير، معاً للتغيير، معاً نحو التغيير، التغيير الحقيقي، فجر التغيير، نحنا التغيير (لائحتان تحملان الاسم نفسه)، وتصبّ في خانتها أيضاً لائحة مستقلون ضدّ الفساد.

4ـ المواجهة والصمود: في أسماء هذه اللوائح لا نيّة تغييرية واضحة، لكن يمكن تصنيفها في خانة المواجهة والصمود والتحدي، تجاه أوضاع قائمة أو خصوم، وهي 17 لائحة كالآتي: قادرين نواجه، قادرين (9 لوائح تحمل الاسم نفسه)، انتفض للسيادة والعدالة، رح نبقى هون، كنا ورح نبقى، معكم فينا للآخر، معاً أقوى، معاً نستطيع، الشراكة والإرادة.

5ـ الديمقراطية: في خضم المعارك الحامية على المقاعد التي لا تخلو من استخدام المال السياسي، وشدّ العصب المذهبي والمناطقي، والترهيب، تغيب عن القوى السياسية سمة الانتخابات الأساسية والنهائية وهي العملية الديمقراطية أي حكم الشعب، والتصويت الحرّ. بعض اللوائح، على قلّتها، تذكّر بذلك في المبدأ: القرار الحرّ، الكتلة الشعبية، الإرادة الشعبية، للناس، وعّي صوتك، الحرية قرار، صوتك ثورة.

ثلاثة فروع للخطاب الانتخابي

في التحليل المنهجي للمحتوى، يصنَّف الخطاب في ثلاثة فروع هي: الإيجابي، والسلبي، والمحايد، ويضاف إليها عنصر الغائب أو المسكوت عنه.

وبينما يمكن اعتبار المناطقية في عملية انتخابية برلمانية تعنى بالوطن ككلّ، من العناصر السلبية، فإنّ بقية التصنيفات، من وطنية وتغيير ومواجهة وديمقراطية هي من العناصر الإيجابية، قياساً إلى العملية الديمقراطية الواضحة، والمشاركة السياسية بما تضم من حراك معارض وقوى تغييرية، في المبدأ، وإن أمكن الحديث بإسهاب عن ابتعاد مثل هذه الشعارات عن الواقع في كثير من الحالات.

أما المحايد فيظهر من خلال أسماء لا لون لها، وإن كانت تحمل في خلفيتها مضامين معينة موجهة إلى جمهور بعينه، وهي تحديداً: الأمل والوفاء، الاستقرار والإنماء، القول والفعل، الغد الأفضل، طموح الشباب.

في تحليل الغائب أو المسكوت عنه، ربما تبرز أموال المودعين في المصارف التي تجري المساومة عليها من العناصر الغائبة الأهم، بالإضافة إلى الأموال المهربة من لبنان، وكذلك انفجار مرفأ بيروت، والأزمة المعيشية، والغاز المنشود (التنقيب عن المشتقات النفطية في البحر اللبناني)، والدولة المدنية، وإلغاء الطائفية (أو الطائفية السياسية في تشذيب لبناني) وغيرها.

قد تكون برامج اللوائح لحظت ذلك وإن لم تظهر في أسماء اللوائح. ويجدر التنبيه إلى أن لائحة واحدة فقط ذكرت الفساد، وهي لائحة مستقلون ضدّ الفساد.

تبقى الإشارة إلى أنّ رائد سوسيولوجيا المعرفة، كارل مانهايم، يذهب إلى أن عدم تطابق الأفكار مع الواقع الاجتماعي، أي ما يعرف بالوعي الزائف، يمثل عقبة أساسية للوصول إلى المعرفة الموضوعية. هذا الوعي الزائف ماثل بأشكال مختلفة أمامنا في لبنان، حتى تغدو الشعارات مجرد شعارات لا صلة لها إلّا في ما ندر بالواقع الاجتماعي القاسي الذي يعيشه السكان.

لكنّ لائحة واحدة ربما تردّ الاعتبار إلى أطروحة مانهايم وتؤدي إلى "معرفة موضوعية" إذ تشذّ عن الوعي الزائف، حين تعلن حقيقة لبنان كما هو "لا دولة" وهي لائحة العشائر والعائلات للإنماء، من دائرة البقاع الثالثة. ربما تعبّر هذه اللائحة عن الحقيقة الكامنة خلف أسماء معظم لوائح هذه الدورة، ودورات سبقتها.

عصام سحمراني