عبد الرحمن عرابي

توصلت القوى السياسية أخيراً، إلى الصيغة النهائية لمشروع القانون الانتخابي الجديد، بعدما سجلت الساعات الأخيرة تطورات متسارعة في إنجاز صيغة المشروع، الذي يفترض أن تناقشه الحكومة، الأربعاء، في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية، لترسو الصيغة النهائية على تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، واعتماد النظام النسبي لاحتساب الأصوات، مع تقديم خيار الصوت التفضيلي للناخبين. ويفترض إقرار مشروع القانون الانتخابي يوم الأربعاء، ثم إحالته بشكل توافقي على البرلمان للتصويت عليه في الجلسة التشريعية المؤجلة من مطلع حزيران الحالي إلى 16 منه، بعد ضمان أكثرية مطلقة مؤيدة له سلفاً.
وبذلك، من المفترض أن يؤدي المسار التوافقي إلى إنهاء فصل من فصول أزمة لبنان، دام طوال ثماني سنوات، وهو تاريخ إجراء آخر انتخابات نيابية في البلاد عام 2009، وبدء النقاش السياسي لإقرار قانون انتخابي جديد بدل القانون الأكثري الساري حالياً، والذي يحمل اسم «قانون الستين» (الذي أقر عام 1960). وأشار وزير الخارجية جبران باسيل، إلى «ترك موعد الانتخابات للاتفاق عليه بين الرئيسين عون والحريري»، معتبراً أنه «كلما أسرعنا تمكنّا من العمل، حتى لا يقال إننا نستثمر عملنا للانتخابات». من جهته، علّق رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، النائب وليد جنبلاط، عبر مواقع التواصل، بأسلوب ساخر، على صيغة القانون ووصفها بأنها «معقدة ومشربكة كصانعيه ومبتدعيه، ذات أبعاد غامضة». كذلك سجل وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس، وهو ممثل تيار المردة في الحكومة، اعتراض فريقه السياسي «على الصوت التفضيلي على صعيد القضاء»، مؤكداً أنه أفضل على صعيد الدائرة.
وكانت مفاوضات الأيام الأخيرة قد قلصت من حجم التعديلات الطائفية التي سعت بعض القوى السياسية في لبنان إلى فرضها. كما تجاوزت القوى السياسية طوال هذه المدة، الأدوار الدستورية المُفترضة لمجلسي الوزراء والنواب، عبر اللجوء إلى اجتماعات ثنائية وثلاثية ورباعية جانبية، عُقدت معظمها في ساعات متأخرة من الليل لصياغة القانون، بدل اللجوء إلى المؤسسات الدستورية. وسقط أيضاً مبدأ التصويت على مشاريع القوانين الانتخابية المُقدمة للهيئة العامة لمجلس النواب تحت حجة التوافق. وتحوّل الحق الدستوري لرئيس الجمهورية بتأجيل انعقاد الجلسات التشريعية في البرلمان لمدة لا تتجاوز الشهر، إلى عنوان معركة جديدة بين الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الخصمان السياسيان التاريخيان في لبنان.
كما فتح النقاش الخلافي باباً لتوتر سياسي آخر بين رئيس مجلس الوزراء، سعد الحريري، وحليفه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط، على خلفية مسار نقاش قانون الانتخابات وغيره من الملفات. وفي الجانب المسيحي، أظهر هذا النقاش تعدّد أوجه التباين بين الحليفين المُستجدين، «التيار الوطني الحر» و«حزب القوات اللبنانية»، اللذين أصبحا يُشكلان معاً القوة المسيحية الأكبر في لبنان. وقد شكل موقف سعد الحريري الأخير، يوم الاثنين، محطة أساسية في رفض العودة إلى «قانون الستين»، واستكمال النقاش التقني حول بنود مشروع القانون الذي طرحه نائب رئيس الهيئة التنفيذية في «حزب القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان، وينص على تقليص عدد الدوائر الانتخابية إلى 15، واعتماد النظام النسبي مع الصوت التفضيلي.
وبعكس ما توحي بساطة الطرح، فإن المسار التفاوضي الطويل كشف عن الطابع الطائفي لأغلبية المطالب التي رفعتها قوى سياسية كـ«التيار الوطني الحر»، وغياب نيّة إقرار تعديلات حقيقية تزيد من نزاهة العملية الانتخابية، ومن تحقيق مبدأ صحة التمثيل الذي تطالب به جمعيات المجتمع المدني والرأي العام اللبناني. وخاض رئيس «الوطني الحر» جبران باسيل، ولا يزال، معركة تحت شعار «حماية حقوق المسيحيين»، وتبنى تحت هذا العنوان مجموعة مطالب أرادها جزءاً من القانون الانتخابي المُقبل، كنقل مقاعد مسيحية من دوائر ذات أغلبية مسلمة، واعتماد الصوت التفضيلي على أساس طائفة الناخب والمُرشح، بدل القضاء أو حتى الدائرة، ومنح مقاعد برلمانية للمغتربين اللبنانيين، وهي المطالب التي لاقت اعتراضاً من الرئيس بري، ومعه الرئيس الحريري، لأسباب مُختلفة عنوانها «الحرص على عدم تكريس الطائفية في القانون الانتخابي الجديد».
لكن هذا العنوان ليس وحده سبب الرفض، إذ يستمر الخلاف العميق بين فريق بري وفريق عون، الذي يشكل باسيل رأس الحربة فيه، وهو خلاف قديم امتد من فترة الحرب الأهلية وواكب كافة مراحل الحياة السياسية اللبنانية منذ عام 2005 حتى اليوم. في غضون ذلك، لا تزال مدة «التمديد التقني» الذي يقول وزير الداخلية نهاد المشنوق إن أجهزة الوزارة بحاجة إليها لتدريب كوادرها وتعريف الناخبين بشكل القانون الانتخابي الجديد وكيفية التصويت فيه، غير محسومة الأجل. ومن المتوقع أن تتفاوت هذه المدة بين الأشهر والسنة الواحدة. وتحمل الحركة السياسية لمختلف الشخصيات مؤشرات واضحة على قرب الانتخابات التي تُحولها صيغة القانون إلى ما يشبه معركة طائفية لكل فريق سياسي داخل بيئته الطائفية، عوضاً عن أن تكون انتخابات وطنية. ذلك أن المشروع يُفرغ النسبيّة من مضمونها عبر اعتماد عدد كبير نسبياً من الدوائر الانتخابية المُفصلة على قياس القوى السياسية التي شاركت في تسوية انتخاب ميشال عون رئيساً، مقابل عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، في ما بات يُعرف بـ«عهد الأقوياء».
ومع نشوء تحالفات ثنائية أو ثلاثية في مُختلف الطوائف (الوطني الحر والقوات مسيحياً، وحركة أمل وحزب الله شيعياً)، فقد تتقلص المقاعد البرلمانية التي يحجزها مُستقلون لمصلحة الكتل السياسية. كذلك ستُغير التحالفات الجديدة من حركة الاستقطاب السياسي في لبنان، بعدما باعدت خيارات الرئيس الحريري بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، والنائب وليد جنبلاط، لمصلحة علاقته المستجدة بالتحالف المسيحي الذي يجمع «الوطني الحر» و«القوات».}
عبد الرحمن عرابي