العدد 1417 / 17-6-2020

بقلم : حلمي الأسمر

"عمري الآن 66 عامًا، وقد تحققت مخاوفي وأسوأ من ذلك. لست متأكدًا على الإطلاق من أننا سنتمكّن من إجراء انتخابات حرة ونزيهة في الولايات المتحدة ، أو إجراء انتقال سلمي للسلطة الرئاسية في كانون الثاني . نحن نتجه نحو حرب أهلية ثقافية، لكننا هذه المرّة لم نكن محظوظين: أبراهام لنكولن ليس الرئيس.". .. لو كتب الصحافي الأميركي المعروف، توماس فريدمان، هذا في كتابه "العالم مسطح: تاريخ مختصر للقرن الـ21" الصادر عام 2005، وحاول فيه استشراف مستقبل بلده، والكرة الأرضية التي "تسطحت" ولم تعد كروية، لقيل إن الحمّى أصابته بالهلوسة، لكنه اليوم يبدو كمن يكتب نعيا كارثيا للإمبراطورية التي عاثت فسادا غير مسبوق في الكرة نحو مائة عام خلت.

فريدمان هنا، (مقالته "أميركا التي كُسرناها؛ ذهبت. من أين لنا بقائد ينقذها؟" نيويورك تايمز 2/6/2020) تحدّث عن سمتين، لطالما تغنّى بهما الخطاب الأميركي، وتباهى تيهاً بهما بوصفهما ميزتين للنظام الأميركي: التداول السلمي للسلطة، والانتخابات النزيهة، وهما آفة النظم الدكتاتورية الشمولية، وحينما يصبحان "مرضا" أميركيا، فهذا يعني "تسطيحا" للكرة فعلا، ولكن بمعنى آخر. غير أن الذي حاولت تسويقه أميركا لدول العالم الثالث خصوصا، وهو "رسالتها!" في "تعليم" الشعوب الديمقراطية، تداول السلطة سلميا، الانتخابات النزيهة، فهي اليوم تعيش ما عاشته دول دكتاتورية عريقة في "القمع"، حيث تقتل مواطنيها في الشارع، وتعتقل رجال السلطة الرابعة، وتفرّق المتظاهرين بالقوة "المفرطة" وبالغاز المُدمع، بل يهدّد رئيسها بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، ونشر الجيش في الشوارع، إن استطاع.

لم تكد أميركا تفيق من صدمة كورونا المستجد، والآثار الكارثية التي خلّفتها، حتى باغتتها جائحة أخرى بعد قتل الشرطة جورج فلويد، في مدينة مينيابوليس، في ولاية مينيسوتا، والذي بدا مثل محمد بوعزيزي بنسخة أميركية، حيث اشتعلت شوارع الولايات الأميركية بالفوضى والاحتجاجات، معيدة إلى الأذهان مشهد "مليونيات الربيع العربي"، ولم ينقص المشهد سوى الحديث عن "الأيدي الخارجية" التي تحرّك الملايين، ودور "الإخوان المسلمين" في تخريب النظام.

سارع كتّاب ومحللون، بعد تفاقم المشهد الأميركي، إلى تشبيه ترامب بيلتسين الذي فكك الاتحاد السوفييتي. وقال بعضهم إن الولايات المتحدة دخلت "الحقبة السوفييتية"، وربما يكون ترامب هو يلتسين أميركا. قد يبدو هذا الكلام استبطانا استشرافيا متسرّعا للمشهد، ولكنه يبدو مفهوما، إذا عدنا قليلا إلى الوراء، وقرأنا بعضا مما كتبه علماء المستقبليات، عن انهيار أميركا، أو إعادة إنتاج نفسها، لتصبح دولة داخل "السور" كما هو حال الإمبراطورية البريطانية التي تفكّكت وعادت دولة عادية، شأنها شأن بقية الدول.

أهم هؤلاء المستقبليين، الأميركي ألفين توفلر، الذي نشر في عام 1987 ثلاثة كتبٍ، "الموجةُ الثالثةُ"، و"خرائطُ العالمِ"، "توزيع/ تشظّي السُّلطة". وفي كتابه "الموجة الثالثة"، تنبأ توفلر بانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وقدّم دلائل علمية وذكيّة تؤيد تصوراته وتدعم بقوة احتمال انهيار وشيك. وهذا ما تحققّ بعد ثلاث سنوات. وفي نهاية الكتاب، يستكمل توفلر نبوءته بالقول إنه بعد 25 عاماً على الأقل من انهيار الاتحاد السوفييتي، على العالم أن ينتظر بعدها انهيار الولايات المتحدة الأميركية نفسها وتفككّها إلى ولايات مستقلة.

ومن هؤلاء أيضا المؤرخ والمفكر الأميركي بول كينيدي، في كتابه "صعود القوى العظمى وسقوطها"، الصادر عام 1988، ورأى فيه أن الولايات المتحدة تتراجع على المستوى الاقتصادي، مقارنة باليابان وأوروبا الغربية والدول الصناعية الجديدة (كوريا الجنوبية وتايوان هونغ كونغ، البرازيل، الأرجنتين...)، وإن هذا التراجع إذا ما استمر سينعكس على الأبعاد الأخرى لعناصر القوة الأميركية. وخلص إلى أن الإنفاق العسكري الكبير، فضلا عن الالتزامات الإنفاقية الواسعة، أصبحت فوق طاقة الولايات المتحدة. وانتهى إلى التحذير من أن الاتجاه الحالي سيؤدي إلى أن تواجه أميركا المصير الذي واجهته قوى إمبريالية سابقة.

إلى هذا، هناك كتابات كثيرة عن انهيار أميركي وشيك، نشرها كتَّابٌ كبار، كالمحللين الاقتصاديين هاري فيجي وجيرالد سوانسون، في كتابهما: "سقوط أميركا قادم فمن يوقفه؟". وكذلك رونالد

"كتابات كثيرة عن انهيار أميركي وشيك، فهل يتحقق هذا؟"هوايت في كتابه: "صعود أميركا كقوة عظمى وهبوطها"، ومستشار الأمن القومي للرئيس كارتر، زبغنيو بريجنسكي، في كتابه "خارج نطاق السيطرة أو الانفلات"، والبروفيسور الفرنسي روجيه غارودي في كتابه "أميركا طليعة الانحطاط"، والخبير الفرنسي إيمانويل تود في كتابه "ما بعد الإمبراطورية". ولعل السؤال الأهم هنا: ما الذي سيحصل للعالم إن صدقت نبوءات هؤلاء، وانهارت الإمبراطورية؟ أي مصير سيصيب الكرة التي تمرض إن أصيب الرئيس الأميركي بالسعال؟

من الواضح أننا على أعتاب وقوع أحداث كبرى، ربما أقلها الجائحة التي أغلقت العالم عدة شهور، وخلفت آثارا اقتصادية لن تزول قبل سنوات. وربما نقترب من الإجابة عن السؤال الكبير، إن سألناه بطريقة أخرى: ماذا سيحصل للعالم إن انهار الدولار، وهو التعبير الأدق عن أميركا، والذي هو عملة العالم؟ تُرى، هل تتحقق رؤية الخبير المالي ديفيد مارش الذي قال عام 2017، في لقاء صحافي مع القناة العالمية CNBC، إنه يتوقع أن يرتفع الدولار خلال عام من حكم دونالد ترامب، وبعد ذلك سينهار بصورة مرعبة تشبه ما حدث للعملة الأميركية بداية الثمانينيات؟ سننتظر ونرى