سليم عزوز

لم يعد في تصرفات قائد الانقلاب في مصر ما يثير الدهشة، لذا فعندما يمرّ خبر لقاء عبد الفتاح السيسي وأركان حكمه مع مدير المخابرات المركزية الأمريكية «CIA» مرور الكرام، ولا يثير استغراباً، فإن اختفاء الدهشة تعدّ هي الخبر، ما دام هذا اللقاء لا يمثل خبراً بحسب أحد تعريفات الخبر الصحفي، وهو في أن يعض إنسان كلباً، وليس في أن يعض كلب إنساناً!
فمن الواضح، أن منسوب الدهشة من تصرفات الرجل وأفعاله قد نفد، وهناك من أدهشتهم هذه الصورة التي ظهر عليها في لقائه مع الرئيس الأمريكي، وإذ نفى البعض أن تكون الصورة التي نشرت وقد أحاط والوفد المرافق له بترامب، غير حقيقية، فإن صوراً أخرى كشفت عن ضآلة حجمه وهو يلتقي بقادة الدول، وأظهرته بشكل مهين، وذلك قبل أن يتأكد الجميع أن صورته والوفد المرافق، ليست بفعل «الفوتوشوب»، فقد نشرها ترامب على صفحته على «تويتر»، كأنه يلتقي بحاشيته أو بموظفي البيت الأبيض وطباخيه!
منكمشاً، التقى عبد الفتاح السيسي بالعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، الذي لم يزر السيسي بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية في القصر الرئاسي، وإنما اكتفى بهبوط طائرته بمطار القاهرة، وهرول إليه السيسي، وجلس في مواجهة الوزراء السعوديين ومساعدي الملك، وليس بجواره!
ومنكمشاً، أيضاً التقى بالرئيس الروسي «بوتين»، وهو يرتدي «الزعبوط» الذي منحه إياه وطلب أن يراه عليه، في تصرف احتار المراقبون في تفسيره، وفي الوقوف على دلالة الهدية التي تمثلت فيه!
ولم يكن غريباً بعد ذلك، أن يظهر السيسي بهذا الشكل مع «ترامب»، وسط «زفة» من إعلامه رأت في هذا اللقاء انتصاراً لزعيمهم المفدى، وإن انكمش، وانحنى بشكل غير مفهوم.
وقد تم استدعاء قاموس الحب العذري في وصف هذا اللقاء، وعبّر مذيع من الحاشية السيساوية عن ذلك بقوله: «إن بين السيسي وترامب علاقة إعجاب وحب من النظرة الأولى». لتفتح هذه المناسبة الباب للإجابة على السؤال الوجودي: «مين السبب في الحب؟ القلب ولّا العين؟» ومنذ أن طرحت المطربة الراحلة «سعاد محمد» هذا السؤال لم يوجد من يجيب عليه، أو يتوصل للإجابة الصحيحة له، ومعرفة من السبب في الحب، وهل هو القلب أم العين؟!
ولا يوجد في لقائه مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ما يجعل هناك مبرراً للدهشة، لاسيما بعد حديثه عن «صفقة القرن» بدون توضيح، فتأكد أنه جزء من مؤامرة على القضية الفلسطينية!
لولا أن خبر اللقاء أذاعه التلفزيون المصري، في واحدة من نشرات الأخبار، لشككت في صحته وإن كنت بالبحث تبيّن لي أن هذا اللقاء سبقه لقاءان بين السيسي ومدير المخابرات الأمريكية في القاهرة، الأول كان في أبريل 2015، والثاني في يناير 2016، ولوحظ أن السيسي التقى به بعد مقابلته مع مدير المخابرات المصرية، فلماذا ينكمش إلى حد أن يلتقي مع مسؤول بجهاز أمني مهمته تجنيد العملاء، ويعد أي تواصل معه محرّم بنصوص القانون؟ مع أنه إذا كان هناك مشترك، مثل قضايا الإرهاب، فإن المخابرات الأمريكية كان عليها أن تنقل ما تريد للإدارة الأمريكية التي تناقشه مع القيادة المصرية، وإذا كان «البساط أحمدي» كما هو الحال الآن، فينبغي أن يقتصر اللقاء بين مديري المخابرات في البلدين، دون حضور الرئاسة المصرية ما دامت الرئاسة الأمريكية لم تحضر.
والسيسي ليس رجل مخابرات كما يروّج البعض حتى نقول «إن الطبع غلاب»، فهو قضى خدمته في سلاح المشاة، قبل أن يمنحه قائد هذا السلاح درجة اللواء وإحالته للتقاعد، لكن المشير محمد حسين طنطاوي وبعد أن فشلت وساطته مع قائد سلاح المشاة ادّخره لنفسه في سكرتارية مكتبه، قبل أن يرشحه لدى مبارك مديراً للمخابرات الحربية سنة 2010، وقبل الثورة بأقل من سنة.
لا شك أن حرص السيسي على أن يلتقي مدير المخابرات الأمريكية سواء في القاهرة أو في واشنطن، إنما يؤكد اهتزاز ثقته في كل من حوله، فيكفي أن يقوم مدير المخابرات العامة بالتنسيق معه في المشترك بين الجهازين وهو مكافحة الإرهاب!
ولا ينتبه عبد الفتاح السيسي إلى أن المخابرات المركزية الأمريكية كانت تحمي عرش الشاه، لكن الشعب الإيراني تمكن من إسقاطه رغم هذه الحماية.
إنه لا يغني حذر من قدر!