د. محمد شندب

رغم كل الضغوط السياسية و الاقتصادية التي مارستها الدول الغربية على السلطان عبد الحميد الثاني كي يسمح لليهود بشراء قطعة من أرض فلسطين.. ورغم الاغراءات المالية التي عرضها عليه زعيم الحركة الصهيونية، جاء رد السلطان صادماً لكل أعداء الأمة، لأنه رفض التنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين، عندئذ وضع الصهاينة ومن يساندهم خطة عنوانها «طريق القدس تمر بإستانبول». لقد تحرك يهود الدونمة مع جمعية الاتحاد والترقي ونفذوا انقلاباً عسكرياً واسقطوا السلطان الذي كان حكمه يشكل  مظلة واقية لفلسطين خاصة وللعالم الإسلامي عامة. وبما ان الحكومة الجديدة سارت في فلك الغرب، فقد ناصبت العرب والمسلمين العداء. وهكذا أصبحت الطريق سالكة أمام الصهاينة كي يحققوا أحلامهم في اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها. ثم جا ءت الحرب العالمية الاولى وانضمت تركيا إلى دول المحور، فأخذت بريطانيا بتحريض الشريف حسين على قتال القوات التركية، لقاء اعترافها بدولة عربية مستقلة تضم سوريا والأردن ولبنان والعراق. 
وعندما انسحبت قوات الأتراك من المناطق العربية سارع الانكليز وأعلنوا سيطرتهم على مصر وفلسطين والخليج والعراق، كما دخلت القوات الفرنسية واحتلت لبنان و سوريا بناء على اتفاقية سايكس –بيكو السرية. كانت الصدمة كبيرة، لذلك قرر السوريون مواجهة الفرنسيين في معركة ميسلون التي استشهد فيها يوسف العظمة. ولما دخلت قوات الحلفاء إلى دمشق وقف الجنرال غورو على قبر صلاح الدين الأيوبي وقال له: قم ياصلاح الدين ها قد عدنا، اليوم انتهت الحروب الصليبية.
ولما دخل الجنرال اللنبي الى القدس قال أيضاً: اليوم انتهت الحروب الصليبية وفلسطين لليهود. انه الحقد الأسود الذي يسيطر على عقولهم وحياتهم.
عندما أحكمت بريطانيا قبضتها على فلسطين سارعت إلى دعم الحركة الصهيونية، ففتحت لهم أبواب الهجرة فاخذوا يتدفقون على فلسطين من كل البلدان. وبدأوا بإنشاء المستعمرات، وركزوا على الجامعة العبرية باعتبارها الإطار الثقافي والفكري الذي يوحد مفاهيمهم و عقائدهم.
ثم أقدمت بريطانيا على توجيه طعنة في صدر الامة  عندما أصدر وزير خارجيتها بلفور الصهيوني وعداً لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين بتاريخ 2-11-1917م.
في سنة 1919م عقد العرب مؤتمراً وأعلنوا رفض اتفاقية سايكس-بيكو، ثم قرروا تشكيل حكومة فلسطينية. لكن الشريف حسين في مؤتمر باريس قَبِل ان توضع فلسطين تحت اشراف دولي، وكان هذا أول تنازل عن الحق العربي، ما أدى الى اندلاع ثورة العشرين ضد بريطانيا وأعوانها اليهود.
ثم جاء مؤتمر سان ريمو ليؤكد انتداب بريطللانيا على فلسطين،  فعينت أول مندوب سام على فلسطين، الصهيوني هربرت صموئيل، الذي بدأ بتنفيذ المشروع الصهيوني.
المجاهدون أعلنوا ثورة في مدينة يافا  ثم كانت ثورة البراق التي شملت معظم أنحاء فلسطين فتصدت لها بريطانيا بكل أنواع الأسلحة.
في سنة 1931م عقد المؤتمر الإسلامي في القدس للتأكيد ان قضية فلسطين تعني المسلمين جميعاً. كان المؤتر بقيادة المفتي الحاج أمين الحسيني، وقد حضره ممثلون عن 22 دولة عربية وإسلامية.
سنة 1935م انطلقت ثورة عزّ الدين القسام ضد الاحتلال البريطاني و الصهيوني في جبال مدينة جنين، فتصدت لهم القوات البريطانية، ما أدى الى استشهاد الشيخ القسام مع عدد من اخوانه الأبطال. الشيخ فرحان السعدي تابع مسيرة القسام بضرب القوات البريطانية التي ألقت القبض عليه وأعدمته، ما أدى الى اشتعال الثورة  في كل أنحاء فلسطين. ثم دخل المجاهدون من أبناء الحركة الإسلامية من مصر وسوريا والعراق و الأردن، لذلك استدعت بريطانيا قوات إضافية من الخارج وطلبت من المنظمات اليهودية تقوية حضورها في قتال المجاهدين الذين قدّموا آلاف الشهداء.
لجأت بريطانيا الى الدول العربية كي تساعدها في اخماد الثورة،  وأعلنت في خدعة جديدة انها ستلغي قرار تقسيم فلسطين و ستنشئ دولة فلسطينية، وستحد من هجرة اليهود. فلما هدأت الثورة كان جيش الصهاينة قد بلغ ستين ألفاً، عندئذ أعلن بن غوريون أن اسرائيل حدودها تمتد من الفرات الى النيل}