العدد 1566 /7-6-2023

محمد سي بشير

لا يمكن الحديث، في الإعلام والثقافة، عن تأثير روائي ما في المشهد الثقافي لبلاده أو لبلد يهتم به إذا لم يكن من مواطنيه. لكن يمكن الحديث، في المقابل، عن أعمال يتصادف أن تُكتَب في وقتٍ واحد، تقريباً، ويتضمّن، جميعها، الحديث عن شأن واحد بأسلوبٍ يكاد يصنع الاتفاق أو، لنقل، بعيداً عن المؤامرة، أنّ ثمّة توارداً للأفكار عجيباً، نوعاً ما، ليُنتج ما سنتحدّث عنه من مصادفةٍ وقعت في أعمال روائيين جزائريين ومعهما روائي فرنسي، في حديثهم عن شأن واحد، هو الإسلاموية في الجزائر، باعتبارها سياقاً سياسياً، أو الإسلام باعتباره ديناً وهوية لجوار مغاربي، وجزائري بصفة خاصة.

ليس من المصادفة التوافق بين روائيين معاديين للثوابت الحضارية الجزائرية رفقة روائي فرنسي، والمعنيون، هنا، كمال داود وبوعلام صنصال رفقة ميشال ويلبيك، بشأن الإسلاموية وتشكيلها تهديداً أكيداً، أي وصولها إلى الحكم، وفق رأيهم، في الضفة الجنوبية للمتوسّط، وفي الجزائر بالذات، في حدود العقود المقبلة، وقد تكون اثنين أو ثلاثة، وفق كمال داود، وقد تمتدُّ إلى نهاية القرن الحالي، وفق صنصال وميشال ويلبيك. لكن، عمَّ يتحدّث هؤلاء، وهل يملكون المقاربات التي تمكّنهم من التنبؤ بذلك، أم أنّها مجرد هرطقات بخلفية المصادفة، المخطّط لها بإحكام، من معادين للثوابت الحضارية للبلاد، وأعني بذلك، هنا، هذه المرّة، داود وصنصال؟

بدايةً، يجب الحديث عن الاغتراب لدى فئة من الروائيين الجزائريين الذين يتحدّثون في شؤون أيديولوجية وسياسية هي من قبيل ما تناصره النخبة المثقفة، في فرنسا، لا لشيء إلّا للتزلف لتلك النخبة والبحث عمّا يرضيها، لعلّها تفتح لهم الأبواب للحصول على الجوائز الأدبية التي يتوقون إليها؛ حيث يعلمون، أكيداً، أنّ معاداة تلك النخبة أو الكتابة تحت مظلة الوطنية والثوابت لا تؤتي أكلها، بل قد تفتح الباب، واسعا، أمام التجاهل والإبعاد، كما جرى لمحمد ديب، آسيا جبار، مالك حدّاد أو مولود فرعون ومولود معمّري، وكلٌّ منهم عبّر، من خلال أدبه، عن الجرائم الاستيطانية الفرنسية في الجزائر لتطاولهم، جميعهم، الأيادي الباطشة ويُمنعون من دخول العالمية التي يتوق إليها صنصال وداود، ولو على حساب تلك المعادلة السويّة، أي الوطنية والثّوابت، لنجد كنايات الروائيين تعبيرا عن انسلاخهم من هويتهم، بل استخدامهم أدوات، من تلك النخبة، للتعبير عن مآرب سياسية، ومنها هذه التي نتحدّث عنها بشأن تهديد الاسلاموية في الضفة الجنوبية للمتوسط، على المدى المتوسط.

من ناحية ثانية، نتحدث، هنا، عن الإسلاموية، في حين أن الروائيين الثلاثة استخدموا مسمّى "المسلمين"، أي أن المعني بحديثهم، الحامل لطبيعة مؤامراتية، هم المسلمون ودينهم الإسلام، ما يعني، بلغة الكراهية والعنصرية، تأليبا ضدّ فئة من المجتمع، في الغرب، ودول بأكملها تعيش في منطقة يريدون أن تصبح هدفا لاستراتيجية غربية، بما أنّ ثمّة نيّة مبيّتة وترتيبات سياسية من المنطقة، جنوب الضفّة المتوسّطية، ومن الجزائر بالذّات، لفتح الباب أمام حركات إرهابية، جماعات مسلّحة وتنظيمات إسلامية، ستصل إلى الحكم، في الفترة التي يرسمون أنّها ستكون عن قريب، بالمعنى الاستراتيجي، للبدء في تنفيذ المؤامرة. وبالتالي، على الغرب واجب، كما يقولون، التّدخُّل لمنع تلك الاستراتيجية، بل هناك، أيضاً، عمل بلبوس أدبي يؤلّب ضدّ الجزائر من روائيين يحملون كراهية للبلاد، ويريدون، مهما كان الثمن، الحصول على الجوائز الأدبية، مع طرح سؤال هامّ: هل يُعقل أن كتابات هؤلاء الروائيين تصدُر من دون ترتيب مع هيئات محدّدة تعمل على تنفيذ خطّة ستجعل من جنوب الضفّة المتوسّطية فضاء إرهابياً، بسبب أنّ ثمّة خططاً من دول تلك المنطقة، للسماح "للإرهابيين" بالوصول إلى الحكم؟

عند النظر في أعمال أولئك الروائيين، نجد أنّ صنصال وويلبيك أصدرا روايتين من نوع الخيال تنبأ كل منهما فيهما بأنّ العقود المقبلة ستشهد وصول مهاجر مغاربي إلى الحكم في فرنسا، وانشغلا بتداعيات ذلك على أسلمة فرنسا أو ما بات يعرف بأيديولوجية العنصريين، في الغرب، بنظرية الاستبدال العظيم، وكأنّ الكاتبين أرادا تأليب الرأي العام ودوائر صنع القرارات الاستراتيجية، هناك، ضدّ هذا الأفق الذي تتمدّد الدعوة إلى تفاديه، من خلال قنوات إخبارية اتّخذت من هذه النظرية خطّاً تحريرياً ثابتاً، كلّ يوم، في منابر نقاشية، يشارك فيها منظّرو نظرية المؤامرة المذكورة، الاستبدال العظيم، للتحذير من تغيير التركيبة الاجتماعية في فرنسا من الجحافل الكبيرة من المهاجرين وأبنائهم المكتسبين، بحقّ القانون، لحقّ الانتخاب والتّرشُّح، بما أنهم حاملون للجنسيّة الفرنسيّة. وبالنّتيجة، ما ينتظر فرنسا أن تشهد أسلمة مفروضة، وخصوصا أنّ هذه الدّعاية تُرفق بأخبار كاذبة عن تحوُّل قطاعات واسعة من المهاجرين إلى التّطرُّف الدّيني وفقدان الجمهورية مناطق جغرافية كثيرة ذات كثافة سكانية عالية من المهاجرين، بفعل سيطرة المهاجرين، من فئة أولئك المتطرّفين عليها، وبروز مظاهر التّديُّن، الحجاب، ورفض قوانين الجمهورية، وفق زعمهم.

أما كمال داود، فهو يركّز على ذلك التهديد، في تناغم شديد مع أعمال الروائيين الآخرين، صنصال وويلبيك، من خلال سماح النخبة الإعلامية الفرنسية له، مع إظهاره ولاءه لتلك الأفكار ومشاركته في الدعوة إليها، حيث أصبح صاحب افتتاحية في مجلة يمينية أسبوعية واسعة الانتشار، لوبوان. بل، أبعد من ذلك، توليه الصدارة في التأليب ضد المسلمين في الغرب. ويتذكّر الجميع مرافعته لتحميل المهاجرين المغاربيين مسؤولية الأحداث التي رافقت احتفالات رأس السنة، منذ أعوام، في مدينة كولون الألمانية، حيث جرى الاعتداء على بعض النّساء الألمانيات. وهو ما ثبت، بعد ذلك، في إطار تحقيق ألماني، أنّ المغاربيين براءٌ منه، ما ألّب عليه نخبة من المثقفين الشُّرفاء الذّين سارعوا إلى كتابة افتتاحية جماعية في صحيفة لوموند الفرنسية للتّنديد بمواقفه العنصرية، نعم العنصرية، ضدّ مواطنيه من شمال أفريقيا.

هناك مسار وسياق يعمل من خلاله داود، وهو مسارعة قصر الإليزيه والدوائر اليمينية الفرنسية إلى تبنّيه، ليكون الإعلامي الذي يجري حديثا مع ماكرون لصالح مجلة لوبوان، كما أنّه كان في الطّائرة التي أقلّت الوفد الرّئاسي الفرنسي، في صيف العام الماضي، إلى الجزائر ضيفا فرنسا على بلاده الجزائر التي لم يتوقّف، أبدا، على التّنديد بهويتها والنداء إلى الحرية التي يرى أنها لن تكون إلاّ بتبنّي الحضارة الغربية بكل مضمونها في هذا المجال، خصوصا على المستوى الشّخصي، التديّن والمرأة، كما أنه لم يتوقف، أبدا، عن الكتابة بشأن أسلَمة الغرب، وأنّ العقود المقبلة ستشهد سيطرة الإسلاميين على الحكم، وقال إن الأمر يتعلق بعقدين أو ثلاثة، وذلك في حديث أدلى به، أخيرا، لمجلة جون أفريك التي تصدر في باريس.

يستخدم داود مفردات الكبت والتّطرُّف والتّديُّن لوصف المجتمع الجزائري، مندّدا، وفق مزاعمه، بأنّها المصدر الذي ينذر بقرب تحوُّل المجتمع، برمّته، إلى التعصُّب واحتمال أن يؤدّي ذلك إلى ظروف سياسية قد تعيد إلى الواجهة ما وقع في بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد في انتخابات تشريعية، ما أدّى إلى إلغاء المسار الانتخابي ودخول الجزائر في نفق العشرية السّوداء وتداعياتها المأساوية على البلاد.

عند تحليل خطاب الروائيين الثلاثة، نصل إلى نتيجة، أنّ المصادفة أو توارد الأفكار مستبعد. بل نتأكّد، يقينا، من أن هناك من يرسم خطة تحريرية لهم للكتابة في تلك المؤامرة وترويجها، وخصوصا أنّ ثمّةَ مرجعية لصنع التّهديد والرّفع من وتيرة الخوف، وهي تجربة سيطرة الإسلاميين على الحكم في الجزائر، وما حدث بعدها. ولكن، هذه المرّة، بشكل أوسع، حيث إنّ خطة مزعومة تُرسم للانفتاح على الإسلاميين والسّماح لهم بالمشاركة في حكومات. بل، ربما في أفق تلك العقود المدّعاة، يصلون بالطرق الدّيمقراطية إلى الحكم، ليشكّلوا التّحالف الذّي سيهدّد الغرب بأكمله، وفرنسا على رأس القائمة، بفعل تلك الأعداد من المهاجرين، لتكون النّتيجة هي الدّعوة إلى إيجاد حل لتلك الجحافل من المغاربيين والأفارقة، ورسم خُطّة لهجرة معاكسة نحو أوطانهم التي لن تتمكّن من استيعابهم بسبب الظروف الاقتصاديّة المتأزمة هناك، وليكون ذلك مصدر ميلاد ذلك التّهديد الثُّنائي الإسلامي/ المجتمعي والإسلاموي/ السّياسي/ الاستراتيجي.

تلك هي الأعمال الروائية والمشاغل الأدبية التي تقوم على إدارتها دوائر صنع القرارات الاستراتيجية، ويشارك فيها كاتبان جزائريان، بوعلام صنصال وكمال داود، ويرافقهما ويلبيك المتورّط، أخيرا، في فضيحة جنسية، ليتأكّد الأمر أنّ بعضهم يلهث للحصول على الجوائز والاعتراف الغربي، ويعمل بعض آخر، من خلفية عنصريته، لترويج استراتيجيةٍ هدفها الأوّل والأخير صنع سيناريوهات الخوف من الضفّة الجنوبية للمتوسّط، وتحضير الرّأي العام الفرنسي لآفاق غير هادئة من قلب المجتمع الفرنسي، من المهاجرين، ومن منطقة جغرافية قريبة، شمال أفريقيا. فهل يستفيق المغاربيون ويدركون ما يحيق بهم من مخاطر من جرّاء هذه الاستراتيجيات المقيتة؟