العدد 1330 / 26-9-2018

بقلم : محمد طيفوري

أصدر معهد مونتاني، مطلع شهر أيلول الجاري، تقريراﹰ من إعداد الأكاديمي حكيم القروي؛ المقرّب من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعنوان "صناعة الإسلاموية" (la fabrique de l’islamisme) الذي تلقّى مسلمو فرنسا مقترحاته باستغراب، وتوصياته باستهجانٍ كبير.

لم يحِد التقرير الجديد، الممتد على اكثر من ستمائة صفحة، عن الأطروحة نفسها التي يحاول مستشار الرئيس؛ في قضايا المسلمين في فرنسا، الدفاع عنها في أعمال سابقة له، منها تقرير "العالم العربي الجديد: سياسة عربية جديدة لفرنسا" عن المؤسسة نفسها في شهر آب 2017، وقبله تقرير "إسلام فرنسي ممكن" في أيلول 2016.

استهل الخبير الجغرافي من أصول تونسية تقريره بالبحث في أصول (أو جينولوجيا) الإيديولوجيا الإسلاموية التي جاءت، بحسب الباحث، جوابا على تحدّي الحداثة الغربية في أول اتصال لها بالشرق خلال الفترة الاستعمارية، وهو التحدّي الذي أنتج إيديولوجيتين رئيسيتين، الوهابية والإخوانية. وتطورت خلال ثلاث محطات رئيسية؛ الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي، والثورة الإسلامية في إيران، وقبلهما توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ما حوّل هذه الإيديولوجيا من موقع رد الفعل؛ أي مناهضة الحداثة الغربية، إلى تقديم نفسها، بدءا من ثمانينيات القرن الماضي، حركةً للتحرر، تزداد انتشارا بعدما تحولت "الأسلمة" إلى إيديولوجيا للجماهير.

"منذ دخوله قصر الإليزيه، ما انفكّ ماكرون يدعو، عند كل حديث له عن المسلمين في فرنسا، إلى التنبّه إلى "قراءة متشدّدة وعدائية للإسلام" . وقد توقّف التقرير مطولا عند المدارس الأربع التي يعتبرها بمثابة "مصانع صناعة الإسلاموية"، في مقدمها مدرسة الإخوان المسلمين في مصر، ثم المدرسة الوهابية التي تمثل الإيديولوجيا الرسمية للمؤسسة الدينية في السعودية، فالمدرسة الإخوانية التركية التي يصفها بـ "الإسلاموية الجديدة"، وأخيرا مدرسة الإسلام الإيراني ذات المرجعية الشيعية.

وعن كيفية انتشار الإسلاموية في فرنسا، والغرب عموما، يؤكد الباحث أن الشبكات الاجتماعية تعتبر أكثر الوسائل فعاليةً للقيام بذلك. ويقيم تمييزا واضحا بين طائفتين؛ الأولى إخوانية، تركز على القضايا ذات الطابع السياسي (البعد الجماعي)، والثانية وهابية تكتفي بالمسائل ذات البعد الديني (الشأن الفردي).

ينهي الباحث تقريره بمحور أخير عن وضعية الإسلام في الغرب، يكشف فيه أن أنصار الإسلاموية أقلية وسط أزيد من ستة ملايين مسلم في فرنسا، لكنها أقلية بالغة التأثير، حيث إن 28% من مسلمي فرنسا يحملون تصوراتٍ وقيما تتعارض مع قيم الجمهورية الفرنسية.

لا يمكن فهم غايات التقرير بدون استحضار مساعي الرئيس ماكرون إلى إزالة الالتباس، أو ما يعتبره سوء فهم كبير بين الإسلام وقيم الجمهورية، حين أعلن في شهر شباط المنصرم، عن رغبة في تسوية الوضع، مؤكدا أنه "اعتبارا من الخريف، سنوضح هذا الوضع، عبر منح الإسلام إطارا وقواعد ستضمن أن يمارَس في كل أنحاء البلاد طبقا لقوانين الجمهورية، سنقوم بذلك مع الفرنسيين المسلمين ومع ممثليهم". وهذا ما يبدو واضحا في التوصيات الواردة في التقرير، التي لقيت استحسان أعضاء الحكومة الفرنسية، فوزير الداخلية اعتبره "عملا معمقا جدا" يتضمن "مقترحاتٍ مهمة جدا"، فيما رحّب وزير التربية الوطنية بمقترح تعليم اللغة العربية في المدارس الفرنسية لعموم تلامذة فرنسا، بعدما أفاد التقرير بأن عدد الطلاب الذين يتعلمون العربية تراجع إلى النصف، في وقتٍ تضاعف المقبلون على ذلك في المساجد عشر مرات. وبالموازاة مع ذلك، يسجل انتشار الفكر السلفي في صفوف الشباب أقل من 35 سنة أرقاما قياسية.

تبقى التوصية الأكثر إثارة للجدل في التقرير، اقتراح إقامة مؤسسة وطنية محايدة ومستقلة؛ عن دول أصول المهاجرين الذين يسيطرون حاليا على المساجد، تكلف بتنظيم شؤون الديانة الإسلامية، عبر عموم التراب الفرنسي. وتحظى باستقلاليةٍ في التمويل الذي يكون عبر فكرة فرض ضريبة على المواد الاستهلاكية الحلال؛ "الضريبة الحلال". ولقي هذا المقترح استهجانا من الفرنسيين، ممن يرون في ذلك تجاوزا لمقتضيات قانون 1905 الذي أعلن فرنسا جمهورية علمانية؛ أي دولة محايدة منفصلة عن الديانات، فلماذا تنقلب المعايير الآن حين يتعلق الأمر بالمسلمين، وتفرض الدولة في لائكيتها لتتدخل في تنظيم الشؤون الدينية لمسلميها، من

تبدو حظوظ وصفة ماكرون لصناعة "إسلام فرنسي"؛ سبق لحكيم القروي أن تحدّث عنها في تقرير سابق، والتي أراد الرئيس تمريرها، عبر بوابة مؤسسةٍ بحثيةٍ بجبّة "أكاديمي ذي أصول عربية"، تبدو في النجاح ضعيفة جدا، ففرض ضرائب دينية على "تجارة الحلال"، وتعليم أبناء المسلمين اللغة العربية، وما إلى ذلك من مقترحاتٍ تبقى، في نظر مسلمي فرنسا، خطة من الحكومة، ترمي منها إلى التأثير في أبنائهم، وتحريف ديانتهم عن أصولها.