فهمي هويدي

لماذا صمت القادة العرب إزاء قرارات ترامب؟ هذا السؤال يسمعه المرء في كل محفل الآن، فضلاً عن أنه صار محل تحقيق وتحليل في العديد من الصحف الغربية، ذلك أن أحداً لم يتوقع أن يصدر الرئيس الأمريكي الجديد قراره بمنع دخول مواطني سبع دول إسلامية، منها خمس عربية، دون أن يحدث ذلك صدى يذكر في العالم العربي والإسلامي. الأدهى من ذلك أن الذين عارضوا الأمر وانتقدوه بقوة كانوا من قادة ومنابر دول لا هي عربية ولا إسلامية، أما أم الدواهي فتمثلت في دفاع بعض المسؤولين العرب عن القرار، مرة باعتباره قراراً سيادياً يدخل ضمن صلاحيات الرئيس الأمريكي، ومرة أخرى بدعوى أنه لا يشمل كل الدول الإسلامية.
لقد تابعنا خلال الأسبوع الماضي الأصداء الرافضة قرار ترامب الذي تعرض لانتقادات حادة ولاذعة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي اعتبرته من قبيل السياسات العنصرية الخطرة، وقال عنه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كلاماً مشابها وأدانته رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمام مجلس العموم، وكذلك وزير خارجية السويد. أما رئيس الاتحاد الأوروبي فقد وصف ترامب بأنه يشكل خطراً إرهابياً على أوروبا. أما أصداء الداخل الأمريكي فهي تتردد كل يوم في صحفها وبرامجها التلفزيونية التي باتت تسفه قرارات الرئيس ترامب مساء كل يوم.
يوم الاثنين الماضي ٣٠ كانون الثاني خصصت صحيفة نيويورك تايمز افتتاحيتها للتنديد بقرار الرئيس ترامب، واختارت لتعليقها عنواناً هو: «حظر ترامب للمسلمين جبان وخطير»، وأشادت بالقاضية التي رفضته، وفيما وصفت القرار بالقسوة، فإنها ذكرت أن اللغة التي استخدمت في صياغته عكست «كراهية الأجانب والخوف من الإسلام» التي تميزت به حملة ترامب الانتخابية، كذلك فإنه «وصمة عار» في فترة رئاسة ترامب، وذكرت أن القرار له خطورته الشديدة، خصوصاً أنه يمكن الجماعات المتطرفة من استخدامه لنشر أفكارها، لأنه يقدم لها دليلاً ناصعاً على أن الولايات المتحدة تشن حرباً على الإسلام وليس على الإرهاب.
صحيح أن منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية انتقدت كل منهما القرار، وتمنى وزير الخارجية القطري أن يعيد الرئيس الأمريكي النظر فيه، إلا أننا لم نسمع صوت أي زعيم عربي أبدى رأياً في الموضوع. حتى الأزهر الذي يمثل صوت المسلين سكت ولم يسجل موقفاً يذكر.
لسنا نبالغ إذن إذا قلنا إن رد الفعل العربي كان منعدماً على مستوى القيادات وخافتاً على صعيد المؤسسات القومية فضلاً عن القطرية، وإذا جاز لي أن أذهب إلى أبعد في المصارحة، فإنني أضيف أن الزعامات العربية بدت في المشهد حريصة على إرضاء الرئيس الأمريكي أكثر من حرصها على الدفاع عن شعوب الأمة العربية، وإذا صح ذلك التحليل فإنه يسوّغ لي أن أقول إن القرار إذا كان فاضحاً للرئيس الأمريكي فإنه جاء أيضاً كاشفاً لموقف الزعامات العربية المتأثرة بالنفوذ الأمريكي، وإذا كانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد وصفت الإجراء الذي اتخذه ترامب بأنه «وصمة عار» فإنني لا أملك شجاعة وصف موقف الزعامات العربية ذات الصفة، وإن وجدت مبرراً قوياً لذلك.
لا نستطيع رفع السقف أكثر من ذلك، لكنني لا أخفي قلقاً شديداً على المستقبل حين أجد أن زعاماتنا لم تجرؤ على نقد قرار كالذي نحن بصدده، في حين انتقده الأوروبيون بقوة. فضلاً عن أن الشواهد تدل على أن الرئيس الأمريكي ذاهب إلى أبعد, خصوصاً في انحيازه إلى إسرائيل وكراهيته للعرب والمسلمين، هل صار بوسعنا الآن أن نجيب عن سؤال الشاعر نزار قباني: متى نعلن وفاة العرب؟!