حازم عياد


اعتبر كثيرون الموقف الأمريكي الذي تبنته ادارة أوباما في أيامها الأخيرة؛ بالامتناع عن التصويت على مشروع قرار يدين الاستيطان بمثابة صحوة أمريكية، تبعه تحذير أمريكي من نقل السفارة الأمريكية الى القدس؛ باعتباره عملاً سيقود الى مزيد من التصعيد في المنطقة، من الممكن ان يقود الى دور روسي أكثر فاعلية في القضية الفلسطينية. 
مسألة باتت تقلق واشنطن، ومراكز صنع القرار فيها؛ فالموقف الأمريكي في حقيقته ما هو إلا محاولة لضبط إيقاع السياسة الأمريكية، والحفاظ على مسارها العام الذي بات الرئيس ترامب وإدارته يمثلون تهديدا له.
فما يمكن وصفة بالصحوة لم يقتصر على إدارة أوباما ووزير خارجيته؛ إذ امتد الى الأجهزة الأمنية والاستخبارية الأمريكية والبنتاغون، آخذاً أشكالاً متعددة تارة على شكل نقاش علني للشان السياسي، انصب على روسيا وسياساتها تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، وتارة أخرى عبر تكثيف نشاطها العسكري في العراق وسوريا والخليج العربي.
إذ كان لافتاً أن تقوم قوات كوماندوز أمريكية بمهاجمة قاعدة لتنظيم الدولة في دير الزور، ترافق مع اطلاق بوارج امريكية نيران تحذيرية على زوارق حربية إيرانية اقتربت من سفينة حربية إمريكية، وأخرى كويتية في سلوك غاب طويلاً! فأمريكا على مدى العام الماضي اعتادت تلقي الضربات دون ردود فعل منها تعكس حضورها في الخليج العربي.
لم يقتصر الأمر على سوريا والخليج كما هو واضح، بل إن اشتراك أمريكا في العمليات العسكرية في العراق بات تأثيره أكثر وضوحاً في معارك الموصل؛ ما يوحي بأن أمريكا تسعى لإثبات حضورها في الساحة الإقليمية، وبأدوات خشنة في ظل صعود نجم روسيا بعد معارك حلب، والتقارب مع تركيا، والإعلان عن جولة مفاوضات في الاستانة.
الصحوة الأمريكية الحقيقية مرتبطة بالنشاط الروسي، وتذمر الحلفاء والاصدقاء، والخشية من ملء روسيا فراغاً يمتد إلى البيت الأبيض بعد وصول ترامب، المعروف بضعف خبرته ومعرفته بالملفات الخارجية، والأهم من ذلك توتر علاقته بالأجهزة الأمنية الأساسية؛ فالتحركات الأخيرة بقدر ما توحي بقلق أمريكي من النفوذ الروسي المتصاعد، فإنها أيضاً تعكس القلق من تقديرات ساذجة للرئيس الجديد تزيد الأمور سوءاً.
الصحوة الأمريكية تدفع إلى طرح سؤال عابر للزمن: هل هي صحوة دائمة، واستراتيجية متكاملة، أم انها مجرد محاولات لوضع النقاط على الحروف لإدارة ترامب المندفعة نحو روسيا؟
هل هي زوبعة في فنجان ستتوارى سريعاً خلف المشهد الداخلي الأمريكي، المنقسم بين دعاة التدخل، ودعاة استمرار استراتيجية القيادة من الخلف؟ فالتدافع الدولي والإقليمي والداخلي في أمريكا ما زال قائماً، ومن الصعب الجزم بمن سيرسم مسار السياسة الخارجية الأمريكية في المرحل المقبلة، وكيف وهل ستكون فعالة أم متضاربة ومتشرذمة.