محمد المزديوي

رمضان في فرنسا يحافظ فيه المسلمون على عاداتهم، لا سيما أبناء المغرب العربي. يزداد ارتباط هؤلاء ببلدانهم الأصلية من خلال الفضائيات، بالترافق مع جوّ من التسامح بين الفرنسيين مع الصائمين.
لا تستغرب إن بادرك جارك أو أحد معارفك من غير المسلمين بعبارة «رمضان سعيد». الكلّ يعرف في فرنسا، هذا الشهر القمري، والكلّ يعرف أنّه ليس كباقي الشهور، هو شهر المشاركة والتسامح بامتياز، إذ تحرص فيه السلطات على أن تكون أكثر تسامحاً مع جاليتها المسلمة.
يندر أن تدخل إلى أحد محلات السوبرماركت تلك في الأحياء الشعبية والضواحي، دون أن تفاجئك التمور الآتية من تونس والجزائر، بشكل رئيس، وكلّ البضائع التي تدخل في مكونات الحساء، أي الحريرة عند المغاربة والشوربة لدى الجزائريين والتونسيين، ثم الحلويات العربية، أو ما يطلق عليه «الشبَّاكيَّة»، والألبان. أما استهلاك اللحوم، فيبلغ مستويات تفوق مستويات الشهور الأخرى.
لا يمكن أن نفصل بين العادات والتقاليد المتحدرة من دول الهجرة الأصلية، وبين ما يُمارَس في فرنسا، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الجالية المسلمة أقليّة، يقول إمام أحد المساجد في مونتروي: «في بلداننا الأصلية نعيش رمضان في كلّ مكان، في الشارع وفي العمل وفي البيت، وبالطبع في المسجد. وليست هذه حالنا في فرنسا، فالأمور أصعب، فأنت صائم ورفاقك مفطرون، يتناولون القهوة ويدخنون. حين نعود مساء إلى بيوتنا أو حين نرتاد المسجد، نستعيد روحية رمضان، وهذه الروحية تحتم علينا التحلي بحسن الخلق مع الجميع، أي حبّ واحترام الجميع، لأنّهم إخوة لنا في الإنسانية وفي الجوار وفي العيش المشترك». يعترف الإمام بأنّه في خطب سابقة له، طالَب المصلين، وسيفعلها مجدداً، بدعوة جيرانهم من غير المسلمين إلى بيوتهم وتقاسم فرحة رمضان وعاداته وأطباقه معهم: «في كلّ سنة يزور رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء مسجد باريس الكبير، لتناول الإفطار، فلم لا نعمم هذه الزيارة على جيراننا وأصدقائنا، أي مع من نقاسمهم الحياة اليومية؟».
نوع من البذخ
يعرف المسلمون أنّ كلّ أجر يُضاعَف في شهر رمضان، كما يعرفون أنّ رمضان هو شهر الصفح والإيمان. وبالفعل، يتضاعف عدد المصلين في المساجد بشكل مثير، بل يصلي المئات خارج المساجد أيضاً عندما تمتلئ. ولهذا تبادر عائلات كثيرة إلى تنظيم موائد الإفطار في المساجد، لتقاسمه مع الفقراء والمعوزين، الذين ما تفتأ أعدادهم تزداد.
لكلّ هذا، فإنّ معظم المساجد في فرنسا تقدم الإفطار مجاناً للمسلمين وغير المسلمين، طوال هذا الشهر، كذلك فإنّ جمعيات إنسانية عربية وإسلامية تقوم بنفس العمل، وعلى رأسها جمعية «الشوربة للجميع» العريقة في هذا المجال، والتي تقدم الطعام لعشرات الآلاف طوال هذا الشهر، دون تمييز في اللون والدين.
وفي هذا الشهر الفضيل، لن تجد أسرة مسلمة لا تتقاسم الإفطار مع الجيران، مهما كانوا. سعيدة، مغربية متقاعدة، تعيش وحدها، في عمارة مع جيران لا تعرفهم، تقول: «في كلّ شهر رمضان، أتقاسم الحريرة (الحساء)، مع جارتي، وهي ليست مسلمة، وكذلك الحلويات». تضيف: «لا أستطيع أن أتصور رمضان من دون الانفتاح على الآخرين، وعلى رأسهم الجيران». وتحرص سعيدة، رغم صحتها الضعيفة، على أن تحمل كلّ مساء جمعة، طبقاً كبيراً من الطعام الكسكس إلى المسجد.
تسامح رسمي
السلطات الفرنسية عموماً، تتفهم كون هذا الشهر يفرض طقوساً ليلية خاصة على المسلمين، وهو ما يمكن أن يؤثر على راحة غير المسلمين ويثير إزعاجهم، كالسهر والضجيج والعودة المتأخرة من المساجد. وهو ما يستوجب العمل معاً، من السلطات الفرنسية وممثلي المسلمين والأفراد، من أجل احتواء كلّ تداعياته السلبية.
يصوم مسلمو فرنسا نحو 19 ساعة يومياً، وهو ما يجعل ظروف كثيرين صعبة في العمل. كذلك، فإنّ أحوال التلاميذ المقبلين على امتحاناتهم، خصوصاً البكالوريا، التي تبدأ في 15 حزيران، صعبة، فهم في حالة استعداد لاجتياز هذا الاستحقاق. وهي السنة الثالثة التي يصادف رمضان فيها امتحانات البكالوريا. في هذا الصدد، يبيح الأئمة للتلاميذ تناول الطعام، ثم الصوم لاحقاً، حتى لا يؤثر الحرّ الشديد والجوع والعطش على صحتهم وتركيزهم. وقد أصدر بعض الأئمة فتاوى تسمح للاعبي كرة القدم بعدم الصوم خلال المباريات التي تجرى في رمضان كي يكونوا في كامل طاقتهم خلالها.
كذلك، فإنّ رمضان يتزامن مع دورتي الانتخابات التشريعية الفرنسية (11 و18 حزيران)، وهو ما يستوجب من الفرنسيين المسلمين، كما يقول رئيس منظمة «مسلمو فرنسا» عمار لصفر، أن يشاركوا بكثافة، لأنّها تمس مصالحهم ومصالح مواطنيهم، أي إنّها «الجهاد الأكبر» بناء الوطن والعيش المشترك في فرنسا وأوروبا.
وتنبع أهمية هذا الموقف، أي واجب التصويت لمن يحق له ذلك، أعني الفرنسيين من أصول إسلامية، من تواجد عدد كبير من الأسماء العربية والمسلمة من بين المرشحين، وهو ما يبشر بوصول فرنسيين مسلمين كثيرين إلى البرلمان الفرنسي المقبل.}