العدد 1345 / 16-1-2019

بقلم : حسام كنفاني

لم يعدم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ وصوله الى السلطة، وسيلةً إلا اتخذها لمواجهة إيران، بدءاً من إلغاء الاتفاق النووي الذي أبرم في عهد سلفه، باراك أوباما، وصولاً إلى إعادة فرض العقوبات عليها، غير أن من الواضح أن كل هذه الإجراءات لم تكن كافيةً في نظر الرئيس الأميركي للحد من الخطر الذي تشكله إيران، بحسب رأيه، فبدأ موجةً جديدةً من التصعيد ليس واضحاﹰ إلى اليوم إلى أين ستقود، على الرغم من أن كل المؤشرات تنبئ بأن الخيار العسكري عاد ليكون مطروحاً بقوة على طاولة البحث الأميركية مع عدد من الحلفاء. وها هي الولايات المتحدة تعد لقمة دولية في بولندا الشهر المقبل، لم تحدّد المشاركين فيها لمواجهة "نشاط إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط"، بحسب ما أعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، خلال جولته في المنطقة. وهي جولة تأتي، بالدرجة الأولى، لحشد المشاركين في هذه القمة المرتقبة، والتي تأتي في إطار أوسع من "الناتو العربي" الذي جرى الحديث عنه في الفترة الماضية، إذ من الواضح أن الولايات المتحدة اقتنعت بأن الجهد العربي وحده لن يكون كافياً لمواجهة النفوذ الإيراني، خصوصا أن أمامها نموذجاً يمنياً حاولت خلاله دول عربية القضاء على إحدى الأذرع الإيرانية في المنطقة، متمثلة بالحوثيين، غير أنها لم تفلح، بل تسببت بإحداث أكبر كارثة إنسانية في تاريخ اليمن، إضافة إلى وضعه أمام مقصلة التقسيم بين شمال وجنوب، وربما أكثر.

بناء عليه، يبدو أنّ الولايات المتحدة في طريقها إلى تشكيل "تحالف راغبين" جديد، على غرار الذي تم تشكيله قبل غزو العراق في عام 2003، وضم دولاً عربية. في ذلك الحين، وعلى الرغم من المشاركة الضمنية لإسرائيل في هذا التحالف، وهي التي كانت من أكثر الراغبين بالتخلص من نظام الرئيس السابق، صدام حسين، إلا أن اسمها لم يرد في قائمة الدول الخمس عشرة التي كانت ضمن التحالف.

ستكون الأمور اليوم مختلفة جداً، فغايات التحالف الجديد ستكون أكبر من مجرد مواجهة إيران، بل تشكيل محور جديد في المنطقة يجمع عددا من الدول العربية وإسرائيل، على اعتبار أن الخطر الإيراني يجمع بعض الدول العربية المركزية وإسرائيل في خندق واحد. وإذا كانت هذه الدول العربية سابقاً متحرجة من الوجود مع إسرائيل في تحالف واحد، إلا أنها اليوم باتت مستعدة لذلك، وهي مهدت لذلك عبر خطواتٍ كثيرة في المرحلة السابقة، سواء عبر استقبال مسؤولين إسرائيليين، أو فتح قنوات مباشرة مع دولة الاحتلال، والتعاون في المجالات التي لا تخدم القضايا العربية، وفي طليعتها ما تسمى "صفقة القرن"، والتي لم تعد هذه الدول تخفي دعمها لها، والعمل للضغط على الفلسطينيين للقبول بها في مرحلة قريبة، قد تكون بعد الانتخابات الإسرائيلية في نيسان المقبل.

الولايات المتحدة بهذه القمة المرتقبة في بولندا، أو تحالف الراغبين الجديد، ستكون قادرة على ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أو على الأقل التصويب باتجاه هذه العصافير، وإصابة واحد منها، ففي حال لم تفلح مواجهة إيران، أو الحد من الخطر الذي تشكله بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل وعدد من الدول العربية، فإنها ستكون حققت قفزة تطبيعية لن يكون قبلها كما بعدها، سواء بالنسبة لمواجهة إيران أو أي من القضايا المركزية في المنطقة العربية.

التحالف الجديد، والذي يمكن أن يطلق عليه اسم "تحالف راغبي التطبيع"، سيكون عنوانه الأساس إيران، وربما يبدأ فعلاً خطواتٍ لمواجهة نفوذ طهران، لكنه سيحمل في طياته إجراءات تنفيذية في الطريق إلى تشكيل الشرق الأوسط الجديد الذي كان بشّر به الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز.