انطلق مساء الجمعة 30 آذار، بضاحية لوبورجيه الباريسية، الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا في دورته 35، على أن يستمر حتى يوم 2 نيسان، فيما يعد هذا التجمع الإسلامي الأكبر في أوروبا.
وقد شارك نحو 70 ألف شخص في فعالياته المعتددة، حيث توجد قاعة مخصصة للمحاضرات وآخر للمسابقات الدينية مثل تحفيظ القرآن الكريم، بالإضافة إلى جناح خاص بالتسوق يتوزع فيه نحو 600 محل لبيع الأحجبة والعباءات والكتب الدينية وغيرها.
وكذلك يحتفي الملتقى بالقدس بكشل كبير، حيث وضع مجسمان كبيران لقبة الصخرة والمسجد القبلي في إحدى قاعات الملتقى، الذي يأتي وسط تحدّيات كثيرة يواججها مسلمو فرنسا، في ظل توجيه أصابع الاتهام إليهم، على خلفية الاعتدءات التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة.
مراسلنا زار موقع الحدث، والتقى السيد عمار لصفر رئيس مؤسسة «مسلمي فرنسا» المنظمة لهذا الملتقى وأجرى معه الحوار التالي:
- دورة هذا العام تتزامن مع تغيير إسم المؤسسة المنظمة لهذه التظاهرة السنوية، من اتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا إلى مسمى اتحاد «مسلمي فرنسا». فلماذا هذا التغيير؟
} في عام 1983 تم إنشاء اتحاد المنظمات الاسلامية لفرنسا.. وبعد ذلك عام 1992 أصبح يسمى اتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا. وهذه المرة قررنا الانتقال من تسمية اتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا إلى مسمى اتحاد «مسلمي فرنسا»، حيث أصبحنا حالياً نتكلم عن اتحاد أفراد وليس اتحاد منظمات. ونحن نضم 285 جمعية عضواً، و هناك 54 مسجداً تابعة لنا على مستوى التراب الفرنسي، و 1500 من الأفراد المنخرطين في المؤسسة.
- نسخة هذا العام اخترتم لها عنواناً رئيسياً: «في ضوء القرآن»، ما هي دلالات هذه الاختيار؟
} كل دورة من دورات الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا لها خصوصياتها من حيث الزمان بالتحديد. ففي النسخة الماضية اخترنا لها كـ«تيمة» موضوع «العيش المشترك»، بينما اختارنا أن يكون موضوع دورة هذا العام هو: «في ضوء القرآن الكريم». الهدف من هذا الاختيار هو أن نبيّن لأولئك المفكرين والسياسيين والإعلاميين الذين يقولون إن النص القرآني ينطوي على معان إرهابية، بأن ذلك غير صحيح؟ ومن جهة أخرى فإن الهدف أيضاً من اختيار هذا الموضوع «في ضوء القرآن»، يتمثل في تذكير المسلمين بأنهم أمة كتاب ووحي، وبالتالي فلا بدّ أن عليهم أن يرجعوا من وقت لآخر إلى ثوابتهم وعلى رأسها القرآن الكريم، الذي يجب أن يفهموه فهماً صحيحاً، يتمشى مع مستجدات العصر والواقع الذي نعيشه، حتى لا تكون تعاليم الدين الاسلامي الحنيف في معزل عن الواقع الذي نعيشه. ونعول هنا على الأساتذة العلماء الذين سيلقون محاضرات خلال أيام الملتقى الأربعة من أجل إيصال الرسالة بأحسن وجه.
هناك شخصيات بارزة ومعروفة، على غرار الدكتور الشيخ عصام البشير، وزير الأوقاف الأسبق ورئيس المجمع الفقهي السابق في السودان. كما أننا اخترنا شخصيات من الجامعات الإسلامية في المشرق والمغرب العربيّين، بينهم أساتذة يعملون طوال السنة على مثل هذه الموضوعات. وقد حاولنا أن نجمع بين علماء الدين بالمعنى التقليدي للكلمة وبين أساتذة الجامعات والمعاهد العليا، لتقديم محاضرات على هامش هذا الملتقى السنوي.
- نعلم أن ملتقى هذا العام يأتي في وقت يمرّ فيه مسلمو فرنسا بوقت عصيب وسط خلط البعض بين الإسلام والإرهاب، والحديث عن مدى تطابق الإسلام مع قيم الجمهورية الفرنسية. والبعض يشدد على ضرورة حل جميع المنظمات والجمعيات الممثلة لمسلمي فرنسا.. أنتم كيف تواجهون هذه الاتهامات؟
} نعتقد أن الخلط الحاصل حالياً بين الإرهاب و الإسلام في ظل الهجمات الارهابية التي ضربت فرنسا مؤخراً هو وليد الظرفية، ولا يستند إلى الهيكلة المجتمعية التي نعيش فيها. المجتمع الفرنسي ليس عنصرياً.. أنا أعيش هنا منذ 38 سنة وأؤأكد لكم ذلك. لكن هناك بعض الأصوات العنصرية في فرنسا تكنّ حقداً دفيناً للمسلمين والمهاجرين معاً أو اسلاموفوبية، ونحن نعتبر أن هذه الأصوات «نشاز»، لا يمكن أن نحمل المجتمع الفرنسي وزرها.
والتصريحات الصادرة عن بعض السياسيين في مقدمتهم زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، هي تصرحيات سياسية تهدف إلى كسب أصوات لحزب الجبهة الوطنية المتطرف، الذي يريد أن يعود إلى الساحة، ومع ذلك فنحن نراقب ونتابع هذه التصريحات عن كثب ونحاول أن نواجهها عبر إثارة مواضيع كموضوع نسخة هذا العام من الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا: «في ضوء القرآن» أو النسخة الماضية «التعايش المشترك» وغيرهما… إلخ.
- الرئيسُ إيمانويل ماكرون كشف في وقت سابق عن عزمه على إعادة هيكلة «إسلام فرنسا» خلال العام الجاري عبر تأسيس هيئات تمثيلية حقيقية.. ما الذي تنتظرونه من هذا الرئيس الشاب الوسطي؟
} موضوع تنظيم الإسلام في فرنسا بمبادرة من هرم السلطة هو أمر يطمئننا، إلا أنه يطرح في نفس الوقت مجموعة أسئلة بشأن علمانية الدولة الفرنسية.. هل للدولة الفرنسية الحق في التدخل لتنظيم ديانة معيّنة، علماً أنها علمانية، ويجب أن تكون محايدة وتفصل الدين عن السلطة؟ لا بدّ إذن من احترام الخصوصية الدينية التي ينص عليها قانون 1905.
- هناك مجسمان كبيران يلفتان النظر بشكل داخل إحدى صالات الملتقى، لمصلى قبة الصخرة أحد أجزاء المسجد الأقصى، و المصلى القِبْلي، أو الجامع القِبْلي وهو جزء أيضاً من المسجد الأقصى، ماهي الرسالة من وراء هذه الخطوة؟
} تمت الاحالة بيننا مع القدس، فعلى الأقل أتينا بمجسمات كبيرة حتى نقول لهم إن القدس في قلوبنا دائماً ونذكر أولادنا بذلك ونعرفهم أكثر بالقدس. في هذه الخطوة وإن كانت رمزية فنحن نعتبرها رسالة من مسلمي فرنسا بأننا منشغلون بما تتعرض له القدس من تحديات خاصة في الوقت الراهن، على خلفية قرار الرئيس الأمريكي المتهوّر ترامب الاعتراف بها كعاصمة لاسرائيل. وكما لاحظتم هناك بعض الإخوة، يقومون بتقديم نبذة عن تاريخ المدينة والمسجد الأقصى والاجابة عن أسئلة الزوار. نريد أن نجعل القدس محفورة في قلوب هذا الجيل من مسلمي فرنسا.}