العدد 1449 /17-2-2021

ينبهر اليوم الكثير من الناس بزعماء عالميين أو محليين ويتبعونهم ويمجّدونهم، ويفخرون بسيرتهم وأمجادهم وعطاءاتهم الوطنية أو الانسانية أو الثورية او غير ذلك. وهذا حق لكل انسان أن يختار من يتأسى به. وعادة ما يكون المتباهون بالزعيم من الأتباع في حين نرى الخصوم أو الأعداء لا يرون فيه ما يراه أتباعه.

من هذا المنطلق، تلفتك شهادات الكثير من الخصوم وربما الأعداء في رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، وهي كثيرة وموجودة لمن أراد البحث. لكن السؤال الطبيعي ما الذي جعل العالم ينبهر بـ محمد عليه الصلاة والسلام (بغض النظر عن بعض ممارسات بعض اتباعه المنفرة والمشوهة لسمعته)؟ نجد الجواب في ما كنّا بدأناه بمقالنا الأول عن البُعدين اللذين رسمهما التوجيه القرآني {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.

هذا ما جعل الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في منهجه ليس استئصالياً بحيث أنك لا تجد في سيرته ما تجده في سير القادة والزعماء الذين تخلّد اسمهم في التاريخ عبر انتصاراتهم أو دعواتهم أو أفكارهم .. استطاع الرسول الكريم تغيير العالم من أجل رسالة ودعوة ولم يكن يوماً في قول ولا فعل ولا تقرير يبحث عن هيمنة او سلطة، بل حافظ على مبدأ التغيير دون دوافع انتقام ولا نوازع سلطة ولا احتكار ثروة ولا شهوة نفوذ. بل كان في كل مسيرته وتعامله مع قريش او باقي قبائل العرب يريد لهم أن يكونوا شركاء في حمل الرسالة، لا مهزومين ولا مطأطئي الرؤوس ولا منكسرين.

كان هدفه عليه الصلاة والسلام أن يرفع شأن الجميع دون استثناء وأن يحفظ كرامة الجميع، لأن هدفه أن يحررهم من أغلال الفكر والاعتقاد، وليس زوالهم أو انقضاء وجودهم أو تدميرهم وهلاكهم. ودائما ما كان يردد {اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون}. وهذا ما كان حاضراً مع الرسول الكريم في سيرته. عندما رجع الى مكة فاتحاً بعد أن أخرجوه وآذوه وأهانوه صلى الله عليه وسلّم استأمنهم على أنفسهم وأعطاهم الأمان، بل عندما قال سعد بن عبادة حامل الراية يومها: اليوم يوم الملحمة، صوّب الرسول الكريم الفكر والمنهج قائلاً: بل اليوم يوم المرحمة.

لا خلاص للبشرية مما تعانيه اليوم أو في أي يوم إلا بالرحمة فيما بينهم.

الشيخ محمد احمد حمود