د. محمد شندب

أولاً: نعمة التقوى
المتأمل في كتاب الله تعالى يرى أن هناك حشداً كبيراً من الآيات الكريمة التي تتحدث عن التقوى وعن أهميتها في تربية الفرد المسلم والجماعة المسلمة، من أجل إقامة الأمة الإسلامية التي تحمل رسالة الله إلى  كل الناس كي ينعموا بالأمن والسلام، والهناء والرفاهية.
والعبادات في الاسلام كلها تساهم في رفع الإنسان إلى مستوى التقوى حتى يمارس دوره في أعمار الأرض وخدمة الإنسانية وتخليصها من براثن الظلم والشرك و الفساد.
قال تعالى: >يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من  قبلكم لعلكم تتقون< البقرة آية 21.
وصيام رمضان يأتي في طليعة تلك العبادات، لأنه يمنح المؤمن في كل عام فرصة ذهبية كي يجدّد إيمانه ويرتقي في مدارج التقوى والقرب من رب العالمين، قال تعالى: >يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون< البقرة آية 183. وبما أن التقوى تشكل  هدفاً أساسياً في حياة الأمة، لذلك لا بدّ من التعرف إلى بعض معانيها كمافهمها السلف الصالح. فعند علي بن أبي طالب رضي الله عنه: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سأل كعب الأحبار عن التقوى فقال له: يا أميرالمؤمنين، هل مررت بأرض ذات شوك؟ قال نعم. قال: ماذا فعلت؟ قال: شمّرت وتأنّيت. قال: تلك هي التقوى، أي الابتعاد عن الذنوب والمعاصي.
انطلاقاً من هذه المفاهيم نستطيع أن نجزم بأن التقوى هي منبع لكل خير وسعادة وهناء في الدنيا، وهي مركب النجاة لمن أراد الفوز بجنة عالية قطوفها دانية. 
إن سلوك الإنسان لا يستقيم على طريق الهداية إلا بالتقوى، وإن أخلاقه لا تسمو بدونها، قال تعالى: >يأيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً< الأحزاب آية 70-71، و قال تعالى: >يأيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين< التوبة آية 119. والأرزاق والخيرات والبركات تزداد وتعم بالطاعة والتقوى، قال تعالى: >ولو أن أهل القرى آمنوا واتَقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون< الاعراف آية 96. كذلك فإن الخروج من حالة الضيق والشدة والتغلب على عوامل البؤس والظلم والحرمان يحتم على الناس السير في طريق الهداية والتقوى، قال تعالى: >ومن يتّقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً... ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا < الطلاق. آية 2-4. و الله لا يمنح التمكين والنصر في الأرض الا لأهل الاستقامة والتقوى، قال تعالى: >إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون< النحل 128، ولذلك فإن المعيار الوحيد الذي يتفاضل به الناس عند الله في الدنيا والآخرة هو معيار التقوى، قال تعالى:>إن أكرمكم عند الله أتقاكم< الحجرات آية 13.
وهكذا نرى أن سعادة الإنسان في الدنيا لن تتحقق إلا بالتقوى والعمل الصالح، وكذلك فإن التقوى هي الطريق الوحيد للفوز في الدار الآخرة. قال تعالى: >تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين<  القصص آية 83.
إن رمضان يهل على الأمة كي يمنحها زاداً من التقوى تبلسم به جراحها وتوحد به شتاتها وتسير على درب العزة والكرامة حتى تفوز بعزّ الدنيا وهناء الاخرة. فأين المشـمّرون عن سواعد الجدّ والاجتهاد في الدعوة والفداء والتضحية والبذل والعطاء، حتى نسلك درب الأتقياء والأولياء، قال تعالى:>ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوايتقون< يونس آية 62-63.}