محمد الشبراوي

المتفرجون الساكتون عن ظلم الظالم عملاً بمبدأ «لا شأن لنا طالما كان بعيداً عنا»، لا يعلمون أن آلية الظلم والظالمين تعمل على أساس أن الجميع مستهدفون، لذلك يخطئ من يظن أن الظلم الواقع على غيره لن يصل إليه، ذلك أن الظالم لا حياة له إلا بتعميم ظلمه، بل إنه ما إن يفرغ من إيقاع الظلم على الآخرين لا بدّ أن يطاول بظلمه من أعانه عليه سواء بالسكوت والرضا وغض الطرف أو بالعمل والقول، ذلك أن سنة الله في الكون أن من أعان ظالمًا سلطه الله عليه.
بل إن الظلم لا بدّ أن يطاول الظالم نفسه، وتلك حقيقة وأمر واقع لا فكاك منه، يؤكده قول الله تعالى: >والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا< الزمر51، وكذلك قال تعالى: >فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون< النحل: 34.
ولقد حرم الله تعالى الركون إلى الظالمين، وكذلك حرّم الدفاع عنهم فقال في كتابه العزيز >قال رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرًا للمجرمين< القصص: 17.
إن الظلم عواقبه وخيمة، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول، فيعم الخوف وينعدم الأمن بل ويصبح الظالم نفسه أشد خوفاً، كما يعم الضنك وضيق المعايش فلا تقوم للدول وللشعوب قائمة؛ فكم من أمم لم تقم لها قائمة بسبب الظلم وركونها إلى الظالمين، وقديماً قالوا: «إن الله يقيم دولة العدل ولو كانت كافرة، ولا يقيم دولة الظلم ولو كانت مسلمة». ولأن الظلم والبغي إفساد في الأرض، لذلك قال الله تعالى >إن الله لا يصلح عمل المفسدين< يونس: 81
لذلك فإنه كما لا يمكن الوصول إلى نتائج سليمة باستخدام أدوات فاسدة فإنه لا يمكن أن يتحقق استقرار للشعوب بالظلم والبطش والطغيان ولا يمكن أن يتحقق نماء وازدهار وعمران إذا اختلت موازين العدل وعم الفساد وتصدّر المفسدون.
في واقعنا الذي نعيشه في بلادنا لا تدرك السلطة أن الرفاه والاستقرار والنهضة لا يتحقق منها شيء عبر اعتماد الظلم منهجاً واتخاذ البطش والعصف بالحقوق والحريات أدوات في حكم الشعوب.
إن الظلم كالسرطان الذي ينتشر في الجسد، وقد لا يدرك المرء وجوده إلا بعد أن يبلغ مبلغاً لا نجاة فيه من هلاك محقق؛ فالظلم مهلكة للأفراد كما للدول، يقول الله تعالى >وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً< الكهف: 59.
وحينما يحل الموعد لا يتأخر >فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب...فلا تحسبنّ الله مخلف وعده رسله< إبراهيم 44-47.
وما أكثر الظالمين المستبدين الذين ثارت عليهم الشعوب وعلى أعوانهم ولو بعد حين،  فتحولت ديارهم إلى خرابات وأثراً بعد عيّن، قال الله تعالى: >فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا< النمل: 52، وقال تعالى: >وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين< الأنبياء: 11.
أما الحال في الآخرة فهو العذاب والخزي، وقد قال الله تعالى: >ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول، يقول الذين استُضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين. قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين< سبأ: 31-32.
كثيراً ما نتكلم عن الظالمين والطغاة والمستبدين ولا نتكلم عن هؤلاء المتفرجين الساكتين، رغم أن الظالم لم يكن ليتمادى في ظلمه وطغيانه إلا بسبب هؤلاء المتفرجين الساكتين.
لقد درج الأمر على أن يتجه الغضب واللوم إلى الظالم والمستبد دون أن نتعرض لهؤلاء الذين تقوّى الظالم والمستبد بسكوتهم وتشرذمهم.
إن استمرار الظلم ونظم الاستبداد مرهون باستمرار الوهن وفقدان المجتمع لعافيته في المقاومة، والبقاء في مواقع المتفرجين، لذلك تسعى نظم الاستبداد والطغيان إلى تفريغ وتصفية كافة طاقات المقاومة لدى المجتمعات والاستقواء عليها وقهرها عبر أساليب القمع المختلفة، التي جعلت مقاومة الظلم والاستبداد أمراً مكلفاً للغاية ويفوق قدرة احتمال الكثيرين، لتضيق الخيارات لدى الشعوب بين استبداد صارم واستبداد ليّن، واستبداد عاقل واستبداد عادل، وما هذا أو ذاك إلا كالمستجير من الرمضاء بالنار.
المتفرجون الساكتون عن الظلم والمستسلمون له ذمهم الله في كتابه وتوعدهم بالخذلان فقال تعالى >إن الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسِهم قالوا في ما كنتم، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً< إن حشد المجتمع لسائر قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد وترك مقاعد المتفرجين ومغادرة منازل الساكتين أمر لا مناص منه لمقاومة الظلم ووقف زحف الاستبداد والطغيان، ولا بدّ أن يكون الجميع على استعداد لدفع الثمن. }