العدد 1461 /12-5-2021

محمد صالح المسفر

يا مدينة بيت المقدس، تركوك، حكامنا الميامين، لتستبيح عرضك وحرماتك وتحطم كبرياءك جحافل مواليد مفرخة "الكيبوتس". يا مدينة العرب الغابرين والحاضرين، يا دار عيسى بن مريم، موطن دعوته وحواراته مع الطغاة. يا موئل الرسول محمد في معراجه ومسراه. يا أخت مكة والمدينة. تركوك، حكامنا الميامين، ليعبث بك قطعان المستوطنات المدجّجون بالسلاح عشية ليلة القدر، ليفرّقوا جمع العابدين الساجدين من أبناء فلسطين، ويخرجوهم من محراب العبادة بالقوة المسلحة.

سيُعقد مجلس جامعة الدول العربية للنظر في مسألة الاعتداء على أهلنا في القدس، وستجتمع منظمة العمل الإسلامي للهدف نفسه، والناتج عن اجتماع المؤسستين شجب وإدانة، ومناشدة المجتمع الدولي والأمم المتحدة كبح جماح العدوان الإسرائيلي، والرابح إسرائيل، لأن حلفاءها من العرب لا يريدون كبح جماحها في هذه المعركة.

استثير "الزعيم!"، محمود عباس، فبادر يدعو مجلس الأمن في نيويورك، لإنقاذ أهل القدس وحي الشيخ جرّاح من عدوان قطعان المستوطنات الصهاينة، وهو يعلم علم اليقين أن مجلس الأمن لا جدوى من قراراته، ما لم تسندها القوة العربية والإسلامية. كان القرار الواجب أن تتخذه السلطة العباسية لحماية المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية ومدينة القدس من عبث الصهاينة وعدوانهم أن تُلغي الاتفاقات الظالمة التي وقعها الجانب الفلسطيني مع القيادات الإسرائيلية، منذ "أوسلو" في 1993. وأن يعلن المصالحة الفورية مع أهل غزة، وأن يسمح بمقاومة العدوان الإسرائيلي على سكان الضفة الغربية، ولو بالحجر والمقلاع. سلطة رام الله هي التي يجب أن تُحاسب فلسطينيا وعربيا على عدم حماية الشعب الفلسطيني وممتلكاته وتراثه التاريخي من عبث العابثين وقوى الاحتلال. السلطة التي لا تستطيع حماية شعبها والحفاظ على سلامة أراضيها ليست جديرة بأن تحكم. وعلى محمود عباس أن يتنحى عن قيادة الشعب الفلسطيني، لصالح القوى التي ستأخذ على عاتقها التصدّي للعدوان الإسرائيلي وإزالة المستوطنات وتحرير الأرض وحماية المقدسات الإسلامية في فلسطين.

كانت دولة قطر أول من بادر، عربيا، ودان العدوان الإسرائيلي على المصلين في الحرم القدسي الشريف وحي الشيخ جراح بأشد العبارات. ولو كان بينها وبين إسرائيل أي علاقات دبلوماسية لقطعتها، ولجمّدت كل مجالات التعاون مع الكيان الإسرائيلي، تضامنا مع الشعب الفلسطيني، كما فعلت عام 2008 على إثر العدوان الإسرائيلي على غزة. ولقد دعت دولة قطر على لسان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجيتها، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، المجتمع الدولي إلى تحرّك جاد وفعال وعاجل، لوقف تلك الممارسات التي ترقى إلى اعتبارها جرائم ضد الإنسانية.

بمواقفها النبيلة تجاه القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من الحصار المفروض من بعض الدول العربية، إلى جانب إسرائيل، على قطاع غزة، أرسلت قطر منحتها إلى مائة ألف أسرة فلسطينية في قطاع غزة هذا الأسبوع، في وقت تحاصر دول عربية أهلنا في القطاع، وتحجُب عنهم كل عون، تحت ذريعة محاربة حركة حماس التي تتصدّى لكل عدوان إسرائيلي.

الواجب الديني والإنساني والعربي يقتضي من دولتين خليجيتين قطع علاقتهما حديثتي العهد مع إسرائيل، لإشعارها بأن الاعتداء على الشعب العربي الفلسطيني ومقدساته، والعدوان على أي قطر عربي، خط أحمر لا يجوز لأي كيان تجاوزه. وقرار مثل هذا يمنح تلكما الدولتين المنخرطتين في علاقات مع هذا الكيان العدواني قيمة عربية ودولية يعتد بها، ولا يجب التذرّع بأن السلطة الفلسطينية، المغلوبة على أمرها، هي البادئة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إنه عمل مدان بكل المعايير.

دوليا، دانت تركيا العدوان على الحرم القدسي، كما دانت الاعتداءات المتكرّرة منذ مطلع شهر رمضان، سواء في حي الشيخ جرّاح أو باب العامود أو أيٍّ من مدن فلسطين المحتلة، وكذلك إيران وباكستان. وسارت مسيرات شعبية في بعض عواصم العالم الإسلامي، احتجاجا على ما تفعله إسرائيل بأهلنا في الأرض المقدسة، إلا العواصم العربية، فقد ضربت عليها الذلة والمسكنة.

وعندي اليقين لو أن القادة العرب وخاصة الذين يقيمون علاقات مع دولة العدوان إسرائيل اتخذوا إجراءات رادعة تجاهها، كقطع هذه العلاقات، وإلغاء كل اتفاق اقتصادي أو أمني أو غير ذلك معها، فلا جدال عندي في أن العالم سيتغير موقفه تجاه إسرائيل، ولن يضحّي بمصالحه مع سوق عربي كبير، 350 مليون نسمة، وموارد طبيعية وثروات مالية وأماكن روحانية، على امتداد العالم العربي وأخص هنا مكة والمدينة وبيت المقدس.

آخر القول: فليدرك حكامنا قوتهم الحقيقية المؤثرة إذا صلحت النيات، وتوفرت الإرادة السياسية عندهم بأنهم قادرون على صناعة التاريخ، وليعلموا أن العالم كله يقف إلى جانب أصحاب الإرادة القوية، والنموذج أمامكم إيران.. كلهم يتسابقون على ودّها، على الرغم من أنها لا تملك من وسائل القوة ما تملكون، يا عرب.