العدد 1562 /10-5-2023

تتنّوع أشكال الدعاية الانتخابية في تركيا، بدءاً من التجمّعات الجماهيرية، مروراً باللقاءات الصحافية والتلفزيونية، وانتهاء بوسائل الإعلام التقليدية والجولات الميدانية. وتسعى الأطراف السياسية المختلفة في تركيا إلى تحقيق مكاسب شعبية من خلال استخدام الدعاية الانتخابية، للفوز بأصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرّر إجراؤها الأحد المقبل، في 14 مايو/أيار الحالي.

التحضيرات للانتخابات المرتقبة، الأحد، بدأت منذ وقت مبكر، علماً أن المعارضة التركية كانت تطالب بتبكير موعد الانتخابات. ولهذا السبب، دخلت الأحزاب السياسية في البلاد مرحلة الدعاية والتحضير والكشف عن الوعود والبرامج، منذ مدة، مع تذكيرها بما تمّ إنجازه سابقاً، من أجل كسب ودّ الناخبين.

وسائل الدعاية الانتخابية في تركيا عديدة ومختلفة، تأتي في مقدمتها التجمعات الجماهيرية التي تجرى في مختلف الولايات والمناطق البارزة وبحسب التوزيع الجغرافي. ويعتبر كل حزب مناطق محددة، حاضنته الشعبية، ويعمل على استمالتها. فحزب "العدالة والتنمية" الحاكم يرى في مناطق وولايات الأناضول وشمال البحر الأسود حاضنة له، فيما يرى حزب الشعب الجمهوري في مناطق بحر إيجة وجنوب غرب البلاد حاضنة له، بينما يعتبر القوميون سكّان الجنوب الكتلة الداعمة لهم، في وقت تستمد القوى السياسية الكردية شعبيتها من جنوب شرقي البلاد.

وتركز الأحزاب التركية على التجمعات الجماهيرية، وتحاول من أجلها حشد قواها السياسية بأكبر شكل ممكن، وتسعى إلى استعراض قوتها السياسية والشعبية من خلالها.

وتشكل الولايات التركية الكبرى أهم نقاط الاستهداف، إذ عمل حزب "العدالة والتنمية" من أجل هذه الانتخابات على حشد قواه في إزمير، معقل العلمانية الكمالية، وفي العاصمة أنقرة. وأمس الأحد، نظّم الحزب تجمعاً جماهيرياً كبيراً في مدينة إسطنبول حاول أن يحشد له قرابة مليون مشارك، وكذلك سعى حزب الشعب الجمهوري إلى تكثيف لقاءاته في إزمير وإسطنبول ومناطق البحر الأسود.

في السياق، تبادلت أحزاب التحالف الجمهوري، الذي يضم "العدالة والتنمية" وحلفاءه، التجمعات. ففي حين كان يظهر الرئيس رجب طيب أردوغان منفرداً في تجمعات "العدالة والتنمية"، كان حلفاؤه يظهرون في ولايات أخرى. والأمر نفسه يحصل لدى تحالف الشعب المعارض (يضم 6 أحزاب هي حزب الشعب الجمهوري والمستقبل ودواء والحزب الجيّد وحزب السعادة والحزب الديمقراطي)، إلا أنه من النادر ظهور مرشح هذا التحالف الرئاسي كمال كلجدار أوغلو وحيداً في التجمعات، إذ كان يرافقه إما عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو عمدة أنقرة منصور ياواش، للاستفادة من شعبيتهما.

وشهدت التجمعات الكبرى في إزمير وإسطنبول مشاركة زعماء الأحزاب الستة في تحالف الشعب، وهم إضافة إلى كلجدار أوغلو: زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنر، ورئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو، وزعيم حزب السعادة تمل قره موللا أوغلو، ورئيس الحزب الديمقراطي غولتكين أويصال، ورئيس حزب دواء علي باباجان. وهؤلاء الخمسة سيكونون نواباً لكلجدار أوغلو في حال فوزه بالرئاسة.

كما حشدت الأحزاب الكردية قواها عبر تحالف "الجهد والحرية"، الذي يقوده حزب الشعوب الديمقراطي، ويشارك في الانتخابات باسم حزب اليسار الأخضر، خصوصاً في مناطق جنوب شرقي البلاد، بمشاركة قياداته وزعمائه، فيما يدعم التحالف مرشح المعارضة كلجدار أوغلو في الانتخابات.

ومن وسائل الدعاية افتتاح وتدشين المشاريع المختلفة، أو وضع حجر الأساس لها، وهو أمر يتقنه التحالف الجمهوري الذي في يده مقاليد الحكم. وعمل أردوغان على تدشين مشاريع كبرى ذات أهمية، خلال الأشهر الأخيرة الماضية، منها سيارة توغ محلية الصنع، وحاملة المسيّرات البحرية، أكبر سفن تركيا الحربية، والمقاتلة التركية الوطنية، والمسيّرات، فضلاً عن افتتاح مشاريع وطرق حيوية مختلفة، وتسليم منازل لمنكوبي الزلازل التي ضربت جنوب تركيا في 6 فبراير/شباط الماضي، وكلها عمليات افتتاح تتحول إلى تجمعات جماهيرية ووسائل للدعاية.

وكذلك فعلت المعارضة التي لديها بلديات كبرى في إسطنبول وأنقرة وإزمير وأضنة وغيرها، إذ افتتحت مشاريع مواصلات ونقل ومباني خدمية مختلفة، وهو ما يتحول إلى فرصة للدعاية لها.

ومن الطرق المختلفة الأخرى للدعاية، الدعايات التلفزيونية في القنوات المختلفة، واستهداف المشاهدين في ساعات الذروة مساء. ويعمل كل من التحالف الحاكم وتحالف الشعب المعارض على بثّ الدعايات المختلفة، وركز حزب "العدالة والتنمية" على الإنجازات وذكّر بها في معظم إعلاناته محاولاً استثمار عواطف مؤيديه، كما نشرت المعارضة إعلانات مختلفة تتضمن وعودها ودعوة الناخبين إلى الاقتراع وحسم نتيجة الانتخابات من المرحلة الأولى.

وتلجأ الأطراف السياسية إلى الحوارات التلفزيونية شبه اليومية، في ظلّ غياب المناظرات في تركيا خلال العقود الأخيرة الماضية، إلا ما ندر وذلك في انتخابات عام 2019 المحلية في إسطنبول. ولهذا، فإن برامج المرشحين والمسؤولين، خصوصاً المرشحين الرئاسيين، تتركز على التجمعات وافتتاح المشاريع في النهار، وتتحول ليلاً إلى المقابلات التلفزيونية، وهو ما أرهق أردوغان قبل أسبوعين واضطره إلى قطع حوار تلفزيوني كان يجري معه في 25 إبريل/نيسان الماضي.

وسائل الإعلام التقليدية هي أيضاً إحدى طرق الدعاية الانتخابية، وتشمل الدعاية في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، وفي الشوارع والسيارات والحافلات الجوالة، ونشر الأعلام واللوحات الإعلانية في الطرقات. كما يجري في إطار الدعاية الانتخابية استخدام مكثف لوسائل التواصل الاجتماعي ونشر الفيديوهات والمشاهد والمعلومات عبرها، بل والدخول في سجالات واسعة، خصوصاً عبر "تويتر"، المنصة الأكثر استخداماً في تركيا من قبل السياسيين.

وتدخل في إطار الدعاية والحملات المختلفة الجولات الميدانية للوزراء والسياسيين وقيادات الأحزاب في مختلف أحياء ومناطق ترشّحهم للبرلمان، بالإضافة إلى إجراء زيارات للمنازل ولقاءات وجهاً لوجه (مع المواطنين)، مع اللجوء أيضاً إلى الاستبيانات واستطلاعات الرأي، واستخدام الاتصالات والرسائل النصية.

والخميس الماضي، بدأت في عموم تركيا، أعمال الدعاية للانتخابات الرئاسية وعرض "البروبوغندا" (الترويج والدعاية) الإعلامية بمختلف الوسائط والأدوات، حيث تشمل زيارة البيوت وتقديم الهدايا، بحسب تقويم الهيئة العليا للانتخابات. وتستمر هذه الأعمال حتى ما قبل الانتخابات بيوم واحد، مع دخول الصمت الانتخابي عشية يوم الاقتراع. وتدخل تركيا مرحلة الصمت الانتخابي في 13 مايو عند الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي (الثالثة بعد الظهر بتوقيت غرينتش).

وتتضمن فترة الدعاية، حرّية الدعاية الانتخابية للأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين، وعمل الدعاية الانتخابية في الإعلام المكتوب، ولوحات إعلانات الطرق، أو مواقع الإنترنت. وتشمل الدعايات، الدعاية اللفظية والمكتوبة والمرئية. كما يمكن للأحزاب والمرشحين التواصل مع المواطنين عبر البريد الإلكتروني أو إرسال الرسائل إلى منازلهم، أو رسائل لهواتفهم المحمولة بشكل مكتوب أو مرئي، كما يمكن استخدام جميع وسائل الدعاية وأدواتها، وعمل استطلاعات مباشرة مع المواطنين والناخبين.

جلال دمير، رئيس جمعية بيت الإعلاميين العرب والأتراك في إسطنبول، شرح مبدأ الدعاية الانتخابية في تركيا خلال موسم الانتخابات، قائلاً في حديث لـ "العربي الجديد"، أنه "كما في كل دول العالم تستخدم وسائل الدعاية الانتخابية، في تركيا أيضاً يمكن عمل الدعاية الانتخابية والبروبوغاندا والتعريف بالمرشحين عبر وسائل الإعلام المختلفة أو عبر الاستبيانات واستطلاعات الرأي والتوقعات، وعبر الاتصالات والرسائل القصيرة والبريد الإلكتروني والملصقات والدعايات التلفزيونية".

وأضاف دمير أن "الأحزاب السياسية تلجأ أيضاً إلى الدعاية عبر استخدام التقنيات المختلفة والتي توسعت مع التطور، فيما كان الاعتماد سابقاً على الإعلام المسموع والمرئي"، لافتاً إلى أنه "مع تطور التقنيات، وصلت الدعاية إلى حد استخدام البريد الإلكتروني، والرسائل المصورة عبر الهواتف، أي مزج الطرق القديمة بالرقمية الحديثة".

وأوضح دمير أن "الدعاية عبر الإعلام التقليدي قد تكون مسموعة عبر الراديو، أو مرئية عبر التلفزيون أو المبوبات والفيديوهات القصيرة عبر الإنترنت، وهي الطرق الأشهر في تركيا، وتضاف إلى ذلك، وهو أكثر ما يتم استخدامه في تركيا، التجمعات الجماهيرية التي تشمل كل الولايات والمناطق والبلدات، ويتم تنظيمها بشكل مكثف من قبل الأحزاب السياسية، وهي تعتبر أساساً أوسع وأضخم الطرق للدعاية عبر التعريف بالأحزاب وبرامجها، وتعدّ الطريقة الأبرز للتعريف بالأحزاب".

ولفت رئيس جمعية بيت الإعلاميين العرب والأتراك في إسطنبول، كذلك، إلى "استخدام الأحزاب طريقتين للدعاية بشكل فردي، الأولى عندما يتم التعريف بالأحزاب بشكل منفرد عبر زيارة الأهالي والتجار وجهاً لوجه، فيما الطريقة الثانية تقوم على استهداف جماعي عبر تنظيم لقاءات جماعية وافتتاح المشاريع وتناول الطعام بشكل جماعي وإجراء زيارات جماعية، وهي من أكثر الطرق التي تلجأ إليها الأحزاب، علماً أن الموسيقى باتت تعتبر وسيلة دعاية".

وأكد دمير "وجود قوانين ناظمة للدعاية الانتخابية من قبل الهيئة العليا للانتخابات والقوانين الناظمة، حيث تتم الدعاية بناء عليها"، مشيراً إلى أن "لكل مرحلة انتخابية قوانين مختلفة محددة للدعايات الانتخابية، ولهذا فإن لكل فترة انتخابية محددات وممنوعات ومسموحات وفق القوانين التي سُنّت قبل الانتخابات، وهناك ممنوعات محددة مع يوم الانتخاب وما قبله، وكلها يتم الإعلان عنها من قبل الهيئة وتلتزم بها الأحزاب السياسية".

من جهته، قال الصحافي إبراهيم آباك، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب تحاول استعراض قوتها ميدانياً، وتستغلها للدعاية لها، ولذلك فهي تحرص على عرض مشاهد وصور التجمعات الجماهيرية ومقارنتها بتجمعات مماثلة أو سابقة، أو الترويج لحضور ضخم في التجمعات".

وقدّم آباك مثالاً على ذلك "المقارنة بين التجمعات للتحالف الحاكم في عام 2018، والعام الحالي، والأمر نفسه للمعارضة، كما حصل في تجمعات إزمير، حيث لوحظ ازدياد أعداد أنصار التحالف الجمهوري، وتراجع في أنصار تحالف الشعب بناء على الصور التي رشحت وما نقل عبر وسائل الإعلام، وهي مقارنات ستحصل في تجمعات إسطنبول أيضاً".

ولفت آباك بدوره إلى أن "وسائل الدعاية الانتخابية متنوعة في تركيا، فإضافة إلى التجمعات الجماهيرية واللقاءات المختلفة وافتتاح المشاريع، تحضر اللقاءات الميدانية خصوصاً مع التجار والمواطنين في الأسواق، وزيارات المنازل، وتوفد الأحزاب مندوبيها للبيوت وتقدم الهدايا أو الإعلانات الورقية، في محاولة لحصر الناخبين ومعرفة ميولهم، في سعي يشبه استطلاعات الرأي".

وأكد آباك أخيراً أن "هناك وسائل مختلفة للدعاية، سواء في الإعلام المرئي أو المسموع، أو في مختلف المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف، حيث لا توفر الأحزاب أي وسيلة إلا وتلجأ إليها بحسب ما هو مسموح في قرارات الهيئة العليا للانتخابات".