العدد 1556 /29-3-2023

أمين العاصي

كشف المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في تصريحات صحافية، أول من أمس الإثنين، أن المشاورات الرباعية على مستوى نواب وزراء خارجية تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري قد تجرى بموسكو في مطلع إبريل/نيسان المقبل.

وأكد أن هدف هذه المشاورات "التحضير للاجتماع الوزاري"، آملاً في أن "تبلغ الوساطة الروسية هدفها بإعادة العلاقات السورية - التركية". وفي السياق، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن "مصادر متابعة في موسكو"، أمس الثلاثاء، قولها إن "الاجتماع المرتقب لمعاوني وزراء خارجية سورية وروسيا وإيران وتركيا قد يعقد مطلع الأسبوع المقبل في 3 و4 إبريل المقبل في العاصمة الروسية موسكو".

وذكرت المصادر للصحيفة أن "اتصالات مكثفة شهدتها الأروقة الدبلوماسية لعواصم الدول الأربع، بهدف التوصل لاتفاق حول صيغة نهائية تفضي لإمكانية انعقاد الاجتماع في موسكو"، مشيرة إلى "أن هذه الاتصالات والمشاورات أنتجت تقارباً في عدد من النقاط، كانت منعت في وقت سابق حصول أي اختراق سياسي بين دمشق وأنقرة".

كما أشارت إلى أن "الضمانات التي أصرّت عليها دمشق لجهة ضرورة التعهد بالانسحاب من أراضيها المحتلة ووقف دعم التنظيمات المسلحة، شكّلت العنوان الرئيس للمشاورات المكثفة التي جرت خلال الأسابيع الماضية". وكشفت المصادر أن هناك اجتماعاً آخر سيعقد في العاصمة الروسية بين وزراء الدفاع للدول الأربع وممثلي الأجهزة الأمنية بعد أيام من اجتماع معاوني وزراء الخارجية.

وقال مسؤول تركي كبير لوكالة "رويترز" إنه سيتم بحث الوضع على الأرض في سورية في 3 و4 إبريل المقبل في موسكو، وأضاف أنه "من المتوقع أن يكون هذا الاجتماع استمراراً للاجتماعات على مستوى الوزراء، التي بدأت خلال عملية استئناف العلاقات"، واستدرك: "مع هذا، وبما أنه لن تكون هناك مشاركة على مستوى الوزراء وسيكون الاجتماع على المستوى الفني، فمن غير المتوقع اتخاذ قرارات مهمة".

كما أكد مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإيرانية لـ"رويترز" الاجتماع في موسكو في الأسبوع الأول من إبريل. بدوره، كشف مصدر سوري مطلع على المحادثات أن اجتماعاً بين نواب وزراء الخارجية سيُعقد قريباً، لكنه لم يحدد موعداً.

وكان من المقرر عقد الاجتماع الرباعي منتصف الشهر الحالي في موسكو، إلا أن النظام وضع شروطاً حالت دون ذلك، أبرزها موافقة تركية صريحة على جدولة انسحاب الجيش التركي من الشمال السوري، حيث يعتبر النظام وجود هذا الجيش في غرب الفرات وشرقه احتلالاً.

في المقابل، ترفض أنقرة هذا التوصيف، وتؤكد أن لا مطمع لها في الأراضي السوري، وأن وجودها هناك مؤقت، وترى شروط دمشق غير واقعية في الوقت الراهن، خصوصاً أن أي انسحاب للجيش التركي من الشمال السوري، ربما يفتح الباب أمام تهديدات كبيرة للأمن القومي التركي في ظل عجز قوات النظام عن حفظ الأمن.

كما يطالب النظام أنقرة بالتوقف عن دعم "الجيش الوطني السوري" المعارض في شمال سورية، وهو ما ترفضه تركيا لأن هذا الجيش "رأس حربة" لها في مواجهة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي تُعدّ مصدر قلق للأتراك.

وهو ما يشكّل دافعاً للأتراك للتقارب مع النظام السوري لعودة قواته إلى الشمال الشرقي من سورية، وذلك للحيلولة دون وجود إقليم ذي صبغة كردية على حدود تركيا الجنوبية.

وتعطي الانتخابات التركية المقررة في 14 مايو/أيار المقبل، النظام السوري هامش مناورة واسعاً، خصوصاً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد سحب ورقة الملف السوري واللاجئين السوريين في بلاده من يد المعارضة، التي تستخدمها لكسب الشارع التركي لتوسيع قاعدتها الشعبية، مع وعود بإعادة أكثر من 4 ملايين سوري إلى بلادهم في حال فوزها بالانتخابات.

وفي المقابل، تدرك أنقرة أن النظام السوري يبحث بدوره عن اتفاق مع الجانب التركي، في سياق محاولاته الخروج من عزلة سياسية "خانقة" منذ عام 2011، فأي اتفاق مع أنقرة يدعم جهوده بالعودة إلى المحيط العربي والإقليمي، ويأمل بأن يكون مقدمة لإعادة تعويمه دولياً.

ومن المرجح أن يطرح الجانب التركي هواجسه الأمنية على طاولة المشاورات، تحديداً لجهة وجود قوات "قسد" في شمال شرقي سورية، وهو ما يفتح الباب أمام تركيا للمطالبة بتعديل اتفاق "أضنة" المبرم بين دمشق وأنقرة في عام 1998، الذي يسمح للجيش التركي بالتوغل 5 كيلومترات في الأراضي السورية، في حال وجود أي تهديد للأمن القومي التركي.

وتريد أنقرة اتفاقاً مع النظام بناء على "أضنة" يسمح لجيشها بالتوغل في العمق السوري نحو 30 كيلومتراً للقضاء على "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والرافضة أي تقارب إقليمي أو عربي مع نظام الأسد.

وكانت أنقرة قد دشّنت تقارباً مع النظام السوري بدفع من الجانب الروسي في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجلى في اجتماع وزراء دفاع روسيا سيرغي شويغو، وتركيا خلوصي أكار، والنظام السوري علي محمود عباس، في موسكو، وهو اللقاء الرسمي الأول على المستوى الوزاري بين تركيا والنظام منذ عام 2011.

ويعتبر المحلل السياسي طه عبد الواحد في حديث مع "العربي الجديد"، أن نتائج الاجتماع الرباعي تعود إلى طبيعة التحضيرات الجارية، لاسيما استعدادات الجانب الروسي ومحادثاته مع النظام في دمشق، وما إذا كانت موسكو قد تمكنت من إقناع النظام بالمضي نحو التطبيع. ويضيف: النظام السوري كما يبدو غير راغب حالياً بالتطبيع مع أردوغان، ويعوّل على خسارته الانتخابات الرئاسية.

وتعليقاً على إصرار موسكو على جسْر الهوة بين دمشق وأنقرة، يرى عبد الواحد أن موسكو بحاجة أساساً لتعويم نظام الأسد إقليمياً ودولياً، لأن إعادة الشرعية له تسهل لروسيا تحريك ملف إعادة الإعمار، والأهم أن استعادة الأسد شرعيته تؤكد شرعية الوجود الروسي في سورية المستمدة من قرار الأسد.

ويضيف: ضمن المشهد الدولي الحالي والتنافس الذي بلغ مستويات غير مسبوقة بين روسيا والغرب، فإن الوجود العسكري والاقتصادي والسياسي الروسي في سورية يكتسب أهمية خاصة.

من جانبه، يرى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو في حديث مع "العربي الجديد"، أن "من حق دمشق سياسياً وقانونياً أن تطالب بخروج أي قوات أجنبية في سورية"، مضيفاً: وفي المقابل، من حق تركيا المطالبة بحفظ الأمن على حدودها الجنوبية، لذلك في حال وافقت أنقرة على جدولة الانسحاب من الشمال السوري، لا بد أن يكون الطرف الثاني قد قدم ضمانات أو تنازلات.

ويبدي رضوان أوغلو اعتقاده أنه "سيكون هناك ضغط روسي على دمشق". ويعرب عن توقعه أن تركيا في النهاية ستنسحب من سورية مع وجود ضمانات، ولكن أنقرة لن تتخلى عن المعارضة السورية، بل تدفع باتجاه إجراء حوار بينها وبين النظام للتوصل لحل سياسي دائم وفق قرارات دولية ذات صلة بالقضية السورية.

وفي السياق، يتوقع المحلل السياسي التركي هشام جوناي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تأتي المشاورات السياسية بضغط روسي"، مضيفاً: لا يوجد على أجندة حزب العدالة والتنمية الاستمرار في مسار التطبيع مع الأسد، لأن تركيا تخرج من محنة وكارثة الزلزال الذي ضرب جنوبها (في 6 فبراير/شباط الماضي). أولوية الحكومة اليوم مساعدة المنكوبين من هذا الزلزال ومن السيول التي تلته.

ويلفت إلى أن "هناك فترة وجيزة قبل الانتخابات التركية"، مضيفاً: البرلمان لم تعد لديه صلاحيات المصادقة على مسار تطبيع بهذا الحجم. ويرى جوناي أن موسكو تريد صورة جامعة للأطراف الأربعة لتحسب لصالحها. تريد جمع هذه الأطراف على طاولة حتى لو بالشكل، بهدف شرعنة النظام السوري والضغط على الحكومة التركية المقبلة، حتى لو كانت من المعارضة كي تستمر في مسار التطبيع.