حازم عياد

الإصرار الأردني على إغلاق الحدود ورفض استقبال النازحين من الجنوب السوري؛ خلط الأوراق في الجنوب السوري وأربك المشهد السياسي؛ بل وأربك الولايات المتحدة وروسيا والكيان الصهيوني؛ اذ تجاوزت المسألة مصير المعارضة ومصير الوجود الإيراني نحو أزمة أعمق، من الممكن أن تتحول إلى هاجس مقلق للأطراف المنخرطة في ملف الجنوب السوري كافة.
إغلاق الحدود ورفض استقبال المزيد من اللاجئين مثّل رد فعل أردني طبيعي على الأزمة الاقتصادية والخذلان الدولي في مواجهة أزمة اللجوء؛ والأهم من ذلك كله، المخاوف من وجود تفاهمات تنتهي بصفقات تتجاوز مصالح الأردن؛ حراك رسمي قوبل بحراك شعبي لإغاثة النازحين؛ ليفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة، تمكن الأردن من التعاطي مع الأزمة السورية، تتجاوز التفاهمات الإقليمية والأمريكية الروسية.
فالتفاهمات غير المعلنة بين الأطراف الثلاثة ومن ورائها النظام السوري وحلفاؤه، وضعت على المحك من خلال الممانعة الأردنية باستقبال النازحين؛ فاتحاً الباب لإمكانية تحوّل أزمة النازحين إلى أزمة إقليمية متفجرة، تمتد تداعياتها تجاه الجولان المحتل والكيان الإسرائيلي الذي سيطالب قريباً بفتح الحدود أسوة بالأردن؛ كما ظهر واضحاً في بيان «هيومن رايتس وتش» الأخير الموجه للحكومة الأردنية.
فموجات النزوح السوري من مناطق القتال حركت المياه الراكدة في الجنوب السوري، وقدمت ورقة قوية للأردن والمعارضة السورية للمناورة السياسية والعسكرية؛ إذ بات النازحون الرقم الصعب في المعادلة، معقداً مسار العمليات العسكرية التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه إلى جانب الروس؛ ورفعاً لكلف المصالحات المزعومة التي تنتهي عادة بموجات لجوء خارج سوريا ونقل المقاتلين إلى ادلب؛ فحراك النازحين هدد بنسف التفاهمات غير المعلنة بين موسكو وواشنطن.
النزوح السوري أثار هواجس الكيان الإسرائيلي من الحراك الديموغرافي؛ وأعاد الولايات المتحدة إلى صدارة المشهد من خلال الاتصالات الكثيفة التي اجريت بين رؤساء الأركان في الكيان الإسرائيلي وموسكو وواشنطن وعمان؛ علماً بأن واشنطن أعلنت موقفها المتفرج مسبقاً لتعود من جديد إلى دائرة الفعل؛ وبات من الصعب تجاهل الدور الأردني كوسيط للتوصل إلى حل سياسي في الجنوب السوري.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عبر عن هذه الحقائق خلال لقائه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بالقول: «إن المباحثات تريد البدء بوقف إطلاق النار وتأمين النازحين في أرضهم، ومحاصرة الأزمة السورية وعدم تفجرها»؛ وزير الخارجية الروسي بات معنياً بوقف القتال لا باستمراره؛ فأزمة النازحين من الممكن أن تتحول إلى ملف متفجر ينسف التفاهمات الأمريكية الروسية والجهود المبذولة للوصول إلى تسوية سياسية؛ فملف الجنوب السوري أعقد بكثير من أن تتم معالجته من خلال استعادة النظام السوري سيطرته عليه؛ فالمعارك وما رافقها من أزمة إنسانية تفاقمت وتحولت إلى أزمة إقليمية، من الممكن أن ترفع الكلف على موسكو أو أن تدفع نحو الدعوة إلى حماية أممية للنازحين تشرف عليها الأمم المتحدة.
حراك النازحين السوريين والموقف الأردني الرافض لاستقبالهم، أربك موسكو التي لا تملك تصوراً لطريقة التعامل مع ملف النازحين، ومكن الأردن من استعادة دوره كمركز لمراقبة منطقة خفض التصعيد؛ بل وعزز  قدرة المعارضة السورية على التفاوض دافعاً لافروف إلى القول لدى استقباله أيمن الصفدي: «اتفقنا اليوم على أن نناقش أولا أوضاع التسوية السورية مع التركيز على منطقة خفض التصعيد جنوب غربي سوريا. نحن نشير إلى استمرار الاتصالات المفيدة بين عسكريينا، وعسكريي الأردن وعسكريي الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الآلية، ومركز مراقبة منطقة خفض التصعيد الجنوبية المؤسس في عمان»؛ بل واشاد لافروف بالدور الأردني كمراقب في مفاوضات الأستانة.
أخيراً، كشف الحراك الدبلوماسي والسياسي الأخير أن المحاولات للوصول إلى تسوية وعمليات التفاوض المستمرة التي رافقها انسحابات متكررة للمعارضة السورية، لا تمثل العنصر الحاسم في إدارة المواجهة في الجنوب السوري؛ بل العجز المتولد عن التعامل الروسي الأمريكي الإسرائيلي مع موجات النازحين؛ فالتمسك الأردني بغلق الحدود قلب المعادلة في الجنوب السوري وغير مسار المعركة وفتح الباب لسيناريوهات مكلفة، يصعب التعامل معها روسياً وأمريكياً وإسرائيلياً، في حين قدم فرصة للأردن وللمعارضة السورية من الممكن أن ينجح في استثمارها للمناورة والتعامل مع سيناريوهات جديدة، بعيداً عن التفاهمات المعدة مسبقاً في الغرف المغلقة بين موسكو وواشنطن والكيان الإسرائيلي.}