سليم عزوز

تكذب إذا قلت إنك تعمل من أجل عودة الرئيس محمد مرسي، في حين أن كل ما تحلم به هو عودة أنور السادات!
أنت تعلم، والجنين في بطن أمه يعلم، أن مرسي لن يعود إلا بثورة، وفق مقاييس ثورة يناير، وأنه لا يوجد حراك ثوري على الأرض الآن يمكن أن يدفع لثورة، فقد تم تبريد الحالة الثورية بشكل سيقف أمامه التاريخ طويلاً، لاعناً من شاركوا في عملية «التبريد» وكثير منهم كانوا حسني النيات، فأنهوا الثورة كما لو كان من يخطط لهم هو عبد الفتاح السيسي، لكن الطريق إلى جهنم الحمراء مفروش بالنيات الحسنة!
أنت تعلم، وأي صريخ ابن يومين يعلم، أنه إذا كانت عودة مرسي إلى الحكم لن تكون إلا بثورة، وفق مقاييس يناير، فإن هذه الثورة صارت حلماً الآن، وإذا كان القمع والإفقار الذي يمارسه السيسي سيدفع حتماً إلى ثورة، فإنه لو حدث هذا فلن يكون كما يتوقعون، ولكن ستكون ثورة بالمقاييس العالمية للثورات، حيث التخريب والفوضى، وحيث عمليات السلب والنهب، وهو ما لا تحتمله مصر ولو ليلة واحدة!
لا أقصد أنها ستكون ثورة المتشددين دينياً، الذين يكفّرون المجتمع من منطلقات فقهية، لكنها ثورة الحانقين على الجميع من منطلقات ثورية، فلن أكون أنا وأنت وأي فصيل شارك في ثورة يناير، أفضل حالاً عندهم من عبد الفتاح السيسي وزمرته، ولن يكون «شكري مصطفى» فرداً يقود تنظيماً هذه المرة، ولكن سيكون مثل كل المشاركين الذين عاصروه في السجن سجيناً، كتبوا شعراً في شجاعة «شكري مصطفى».
والحال كذلك، فإن نفسك تحدثك من جديد بأنور السادات، يطوي صفحة عبد الناصر، ويفرج عن المعتقلين، ويسمح للمعارضة ببعض الحركة، ويا حبذا لو كان فيه من محاسن السادات، ومبارك، معاً، قبل مرحلة سنة 2010 بالنسبة إلى مبارك، وقبل 1981 بالنسبة إلى السادات.
فلماذا لم تعلن ذلك؟ لأنك تخاف من جماهيرك أن يذهبوا بعيداً، لكنك الآن تنتظر لحظة الانكسار العظيم، ومن قبل كانوا يقولون بعودة مرسي لاستكمال مدته، فانخفض سقف الأماني إلى أن يعود لساعة، لتحقيق انتصار شكلي، ثم يدعو لانتخابات جديدة. وكما انخفض سقف المطالب في هذه فقد ينخفض حد أن يكون سقف الأماني هو السادات أو مبارك، فآخر أيام السادات كانت سيئة، وقد أغلق الصحف واعتقل المعارضين، تماماً كما كانت أواخر أيام مبارك، فقد كان القرار هو إسقاط المعارضين في الانتخابات البرلمانية، لكن كانت سنوات مبارك الأولى جبراً لما فعله السادات في سنته الأخيرة من حيث الإفراج عن المعتقلين، فكل حاكم جديد يفرج عن المعتقلين، حتى المشير طنطاوي فعلها!
منذ بداية الانقلاب، وأنا أقول إن معسكر الانقلاب الإقليمي والدولي، ليس أمامه إلا السيناريو الباكستاني، إذا أحيط بالسيسي من كل جانب، وقد بدأ التفكير الغربي في البديل عندما ظهر «نواز شريف» وفاجأ الجميع بنزوله لباكستان وأعلن انه سيخوض الانتخابات ضد «برويز مشرف»، رجل واشنطن القوي، في وقت كان الشعب الباكستاني قد بدأ التمرد عليه، وبدأت دائرة التمرد تتسع في صفوف النخبة، ولم يكن كعسكري أحمق قادراً على احتوائها، فقد كان يظن لسطوته العسكرية وللتأييد الغربي له أنه قادر على أن يحكم الشعب رغم أنفه!
السيسي ليس الخيار المريح للدوائر الخارجية والإقليمية، والإمارات أرسلت له رسالة قبل ترشحه تقول له فيها إنها تتمنى أن يستمر وزيراً للدفاع، لكنه ترشح، وبفاتورة باهظة، ليس في قدرة دول الخليج مجتمعة أن تفي بها، لهذا كانت الموافقة على مضض من دوائر الانقلاب، إقليمياً وغربياً، وباعتماد سياسة الأمر الواقع. وإن كان السيسي هو الخيار الأفضل لإسرائيل، لكن التخوف هو في عدم قدرته على الاستمرار في الحكم!
السعودية عندها بديلها وهو «الفريق» سامي عنان، والإمارات بديلها «الفريق» أحمد شفيق!
«عنان» مشكلته في أنه ليس شخصية جماهيرية، فلن يمكنه أن يكون بديلاً مريحاً إلا بتأييد معلن من قبل التيارات الإسلامية مجتمعة، ويكون عليه ترضية القوى المدنية ببعض الوعود بالتعيين في بعض المناصب السياسية الكبرى، واستمالة رجال الأعمال بتلبية مطالبهم! في حين أن «شفيق» صاحب تجربة، فالدولة العميقة تعتبره مرشح الضرورة، ويكفي العلم أن فارق الأصوات بينه وبين الدكتور محمد مرسي لم يكن كبيراً، ولو تخلصت بعض القوى من حذرها وأعلنت انحيازها إليه لكانت النتيجة عكسية، لكن الحذر المصحوب بالخجل كان بعد الثورة، وكان الحرج من تأييده مردّه إلى الرفض الثوري لآخر رئيس حكومة في عهد مبارك، لكن هذا الحرج ليس قائماً الآن بعد أن اكتشف الجميع عداء عبد الفتاح السيسي للثورة وخطره الكبير على مستقبل الوطن!  و«شفيق» إلى الآن يمثل خطراً على السيسي، ولهذا فإن سكرتير عبد الفتاح السيسي «عباس كامل» هو من يتولى بنفسه حملة تشويهه عبر وسائل الإعلام، وهو من يقف وراء القول إنه مريض ومصاب بالزهايمر!
إلى الآن، فسادات المرحلة لا يخرج عن اثنين: عنان، وشفيق، ولا أحد يعرف البدائل الجديدة في قادم الأيام، وعندما يقول الفريق «شفيق» إنه عائد قريباً إلى مصر، فإنه استعداد لمرحلة جديدة على الأقل بحسابات اللحظة التي صرح فيها بهذا، ومن قبل صرح نفس التصريح لكنه لم يعد، لأن البديل لن يأتي إلا بخوف من ثورة تقوم فجأة.
هذه حسابات السياسة، إنما الثورة لها حسابات أخرى، وإذا قامت فلن يعود «شفيق»، ولا «مرسي»!}