حازم عياد

طرحت بكين نفسها كوسيط بين الرياض وطهران، مستعينة بمصالحها المشتركة مع البلدين، اللذين يعتبران من أهم الشركاء التجاريين للصين؛ إلا أن المبادرة الصينية التي تعدّ محاولة للالتفاف على الدور الأمريكي في المنطقة لا تحمل فرصاً كبيرة بالنجاح؛ فآخر ما تريده واشنطن هو السماح لبكين بلعب دور سياسي في منطقة الشرق الأوسط لتدعم بذلك دورها الاقتصادي بأدوار سياسية ترى فيها واشنطن تهديداً لنفوذها ومكانتها في المنطقة.
من جهة أخرى فإن فرص الحوار بين الرياض وطهران تواجه العديد من التحديات؛ فطهران لا ترغب بإدارة علاقتها مع دول الخليج من خلال الوسيط الأمريكي، الذي بات أكثر عدوانية في تعامله معها بعد وصول ترامب الى سدة الرئاسة في واشنطن؛ والضغوط باتت كبيرة على طهران خصوصاً مع تقدم قوات التحالف العربي في الساحل الغربي في اليمن ووصولها الى مشارف العاصمة صنعاء؛ كما أن موازين القوة في سوريا والخليج شهدت تحولاً مهماً بعد دخول القوات الأمريكية الى سوريا بعد أن سبقتها القوات التركية؛ ما أوحى بإمكانية طرح مسألة وجود حزب الله والقوات العراقية الموالية له في سوريا على الطاولة.
الرياض باتت تشعر بأن قدرتها على فرض شروطها في أي حوار مستقبلي مع طهران أفضل مما مضى، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تملك تصورات مختلفة لطبيعة العلاقة مع طهران، وإن كانت أكثر مبادرة في تفاعلها مع التحركات الإيرانية؛ بنشرها مؤخراً قوات جديدة في سوريا تحضيراً لمعركة الرقة؛ أو في إرسال ألفي جندي من قوات المارينز الى الكويت التي عانت من تهديدات غير مباشرة للحشد الشعبي العراقي، ازدادت خطورتها بعد تصاعد الخلاف حول جزر خور عبدالله بالقرب من ميناء أم قصر العراقي.
الحوار بالنسبة إلى طهران بات مسألة معقدة، وهي تفقد أوراقها واحدة تلو الأخرى، فالملف النووي بما حمله من آفاق اقتصادية وانفتاح دبلوماسي واجه انتكاسة مهمة بعد إقرار قانون جاستا، إذ أفضى مؤخراً الى حجز مليار وستمائة مليون دولار في لوكسمبورغ؛ بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية؛ مسألة ستزيد من تعقيدات المشاريع الطموحة لإيران بالانفتاح والتجارة مع القارة الأوروبية.
في ظل هذه الحقائق، فإن فرص الحوار بين السعودية وطهران تتراجع لصالح فرص اكبر للتصعيد؛ إلا أنها في ذات الوقت تفتح باباً واسعاً للسعودية لإمكانية التعامل لتحسين قدرتها على حوار فعلي مع طهران إن قبلت بتقديم تنازلات في الملفات الأساسية التي تتعلق بأمن الخليج؛ خصوصاً أن طهران ستضطر في المستقبل القريب لتقديمها والتعامل معها كأمر واقع بسبب الضغوط الأمريكية والأوروبية؛ فتسريع طهران لخطواتها تجاه دول الخليج في المرحلة الحالية يحمل فرصاً أفضل منه بعد أشهر من انجلاء غبار معارك الموصل والرقة مستقبلاً.
في المقابل، فإن تعاطي السعودية مع طهران في المرحلة الحالية سيوفر لها فرص صياغة سياسة أكثر استقلالية عن الإرادة والتوجهات الأمريكية، التي من المتوقع أن تنفرد في صياغة السياسة العامة في الإقليم, متجاوزة مصالح القوى الإقليمية؛ التي من الممكن أن تقود إلى مزيد من عمليات الاستنزاف التي لا تنتهي لدول الإقليم في ظل مصالح واشنطن الدولية المتشعبة وإدارتها السياسية المضطربة.