مجزرة صب فيها الجيش المصري النار على آلاف المعتصمين في ميدان رابعة العدوية، فيهم النساء والأطفال والشيوخ، فأثخن قتلاً وحرقاً وعاث فساداً ودماراً حتى ضج الميدان واختلط الأموات بالأحياء، وحُرّقت الجثث وتطايرت الأشلاء وضاعت الهويات، وغصت المستشفيات والمشارح.
وقد وصفتها منظمة «هيومن رايتس ووتش» بأنها «إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث».
بدأت الأحداث تترى متسارعة بعد انقلاب 3  تموز 2013، فانطلقت مظاهرات منددة بالانقلاب وأهله، وأخرى مرحبة مؤيدة، ولكن ميدان رابعة والنهضة وغيرهما من معاقل الرافضين للانقلاب كانت تستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام العالمية، وكانت سلطة الانقلاب ضيقة الصدر تتربص بكل من يعارض الانقلاب أو يناوئ الحكم الجديد.
اتُّهم المرابطون في ميدان رابعة بحيازة الأسلحة، وبترويع الآمنين ومضايقة السكان، وأجمع الملأ من قوم الانقلاب على فض الاعتصام، وارتفعت أصوات أمنية وإعلامية تنادي بإبادة المعتصمين، فكان ما كان.
المكان ميدان رابعة العدوية (نسبة إلى الزاهدة المعروفة المتوفاة سنة 180 للهجرة) شرقي القاهرة، والزمان صباح يوم 14 آب 2013، حيث يرابط عشرات الآلاف من المصريين الرافضين لانقلاب عبد الفتاح السيسي والمنادين بعودة الرئيس المنتخب محمد مرسي، وهذا هو شهرهم الثاني في الاعتصام.
صبّح الجيش المعتصمين وهم هاجعون بعد صلاة الفجر، وقد بدأ الهجوم من شارع طيبة مول، ثم شمل كل المداخل الرئيسية، واقتحمت المدرعات والمجنزرات الميدان، وانتشرت سحب غاز الدموع، واعتلى القناصة أسطح المنازل وحلقت الطائرات الحربية في سماء الميدان.
وتدفقت جحافل الجيش والشرطة وبدأت تمطر الناس بالرصاص الحيّ، وتحاصر المنافذ الرئيسية للميدان، وكانت طائرات الأباتشي تصب قنابل الغاز وتقنص المصورين.
لقد بدأ ما يشبه المعركة الحربية فهبت رائحة الموت، واهتزت الأرض وماجت الشوارع وتقطعت بالمعتصمين الأسباب، واندفعوا يبحثون عن ملاذ آمن.
اتجه البعض إلى المستشفى الميداني، واتجه آخرون إلى مسجد رابعة، ولاذ فريق بالفرار، ولكنْ جاء الموت من كل مكان وعصف بالميدان وأهله، وغشيت المعتصمين أمواج من الهول والكرب، وطفقت القوات المهاجمة تجْهز على الجرحى وتحرّق الموتى، ولم يسلم المستشفى الميداني، ولا الأطباء والمسعفون. وقال شهود عيان إن الجنود المنتصرين كانوا يجلسون وسط ركام الأموات يأكلون ويشربون، ويبحثون عما في مخيمات الميدان المنكوب من الغنائم.
وفي تقرير مفصل أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش في آب 2014، واستغرق إعداده سنة كاملة، وصفت المنظمة الفاجعة بأنها إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث.
ويومها قدم محمد البرادعي (نائب الرئيس المؤقت حينذاك) استقالته احتجاجاً على ما حصل. 
واقتصر الأمين العام للأم المتحدة بان كي مون على إدانة على لسان المتحدث باسمه، واكتفى الاتحاد الأوروبي بالتعبير عن قلقه. 
ووجه رئيس الوزراء التركي يومها رجب طيب أردوغان انتقاداً لاذعاً للسلطات المصرية، ودعا بيان صدر عن مكتبه مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية لإيقاف المجزرة، فيما وصف الرئيس التركي -يومذاك- عبد الله غل الحادث بأنه «لا يمكن أن يقبل إطلاقاً».
وأدان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقوة قتل المتظاهرين، واعتبر ما حصل انقلاباً على الشرعية الدستورية والديمقراطية واقترافاً «لأفظع جريمة عرفها تاريخ مصر الطويل» وقال في بيان له: «إن تاريخ مصر بل وتاريخ الإنسانية لن يغفر لأولئك الوالغين في الدماء والأعراض».
وقد أصبحت إشارة رابعة (رفع أصابع اليد كلها وعقد الإبهام) رمزاً عالمياً، رفعه زعماء سياسيون من بينهم أردوغان، وأصر المناهضون للانقلاب على رفعه في كل أنحاء مصر. 
وقد اختلفت التقديرات في عدد القتلى والمصابين في المجزرة، فورد في تصريحات لقيادات من الإخوان المسلمين كمحمد البلتاجي وعصام العريان، أن عدد القتلى تجاوز ثلاثة آلاف قتيل وآلاف الجرحى والمصابين، وذهبت قيادات أخرى إلى أن عدد القتلى بلغ خمسة آلاف.
وأعلن تحالف دعم الشرعية المؤيد لمرسي أن إجمالي الوفيات في فض اعتصام رابعة وحده بلغ 2600 قتيل، وهو العدد الذي أعلنه المستشفى الميداني في رابعة.
وتحدث تقرير وزارة الصحة المصرية عن 670 قتيلا ونحو 4400 مصاب. وأعلن المسؤولون عن الطب الشرعي بالقاهرة -في 5 تشرين الثاني 2013- أن إجمالي عدد القتلى بلغ 377 قتيلاً، من بينهم 31 جثة مجهولة الهوية.
وذكر تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» أن «قوات الأمن المصرية قتلت أكثر من ألف على الأرجح».
وقد اعتقل المئات من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان والمناصرين لها، وتمت إحالة الكثير منهم على المحاكم وصدرت في حقهم أحكام بالإعدام والسجن المؤبد، وظل المسؤولون عن مذبحة رابعة بمنأى عن أي مساءلة قانونية.
 وفي هذا الصدد، قالت «هيومن رايتس ووتش» في تقريرها: «كان على الحكومة المصرية الجديدة الإقرار بما ارتكبته من انتهاكات في تموز، وآب 2013، وتوفير تعويضات عادلة لعائلات الضحايا».
 وأضافت: «إن الرئيس السيسي يتولى حكم مصر دامية، تعج بالتحديات الاقتصادية والسياسية، ورغم الإغراء المتمثل في قلب الصفحة وغض الطرف عن الانتهاكات السابقة، إلا أن المحاسبة على الماضي تكمن في لب عملية المصالحة الوطنية التي تحتاجها مصر حتى تستقر وتمضي للأمام».}