لم تكن فئة كبيرة من الشخصيات السياسية والنشطاء والعسكريين الذين شاركوا بالانقلاب العسكري في مصر على الرئيس المعزول محمد مرسي، ودعم المجازر بحق أنصاره، لتصدِّق أنه سيأتي اليوم الذي تعيد فيه سلطات الانقلاب الكرّة وتنقلب عليهم هم، وتزجّ بهم في السجون تارة، وتلاحقهم تارة أخرى في سمعتهم وأرزاقهم وتضيّق عليهم الخناق، بالإضافة إلى إخراج بعض قادة الانقلاب، من المشاركين في إعطاء الضوء الأخضر لتلك المجازر، بشكل إجباري من المشهد السياسي.
وتحلّ الذكرى الخامسة للمجزرة التي نفّذتها سلطات الانقلاب بحق أنصار الرئيس مرسي، الذين اعتصموا في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وقد تبدلت الأحوال وانقلب المشهد رأساً على عقب على السياسيين والعسكريين. صفوة الصف الأول من قادة الانقلاب كانوا من بين ضحايا السيسي، بعدما أخرجهم إجبارياً من المشهد السياسي، وأطاح بهم تماماً. وجاء في مقدمة هؤلاء، وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي، الذي كان وقتها رئيساً للأركان، وكانت كافة الروايات تؤكد مدى شراسة موقفه في ضرورة الفض العنيف لأنصار مرسي، إذ لم يكن صبحي نفسه ليصدق أن تحل ذكرى المجزرة وهو خارج المشهد، بعدما تمت الإطاحة به في التشكيل الحكومي في حزيران الماضي، من دون سابق إنذار، على الرغم من تحصين الدستور له، قبل أن يتحايل السيسي على النص الدستوري الذي يحصّن منصب وزير الدفاع لمدة ثماني سنوات، بتمرير قرار الإطاحة بشريك الانقلاب من دون علمه. كذلك لم يسلم صهر السيسي، رئيس الأركان السابق الفريق محمود حجازي، الذي كان يقود الاستخبارات الحربية إبان المجزرة، بعدما غدر به قائد الانقلاب وأطاح به من منصبه دون أي مقدمات، في وقت كان يتوقع المراقبون للمشهد المصري دوراً أكبر لحجازي. وكان من بين شركاء السيسي أيضاً الذين تمت الإطاحة بهم من المشهد وإخراجهم إجبارياً، مدير الاستخبارات العامة السابق ورئيس وحدة الأمن القومي إبان المجزرة، اللواء خالد فوزي، الذي أطاح به السيسي في كانون الثاني الماضي، بشكل مفاجئ دون علمه، وهو ما تسبب في أزمة صحيّة له، أسفرت عن دخوله العناية المركزة في مستشفى وادي النيل التابع للجهاز لعدة أيام، قبل أن يفيق من أثر الصدمة.
كذلك فإن الفريق أحمد شفيق، المرشح الرئاسي الخاسر في انتخابات 2012، الذي كان رأس حربة الانقلاب على الرئيس مرسي من خلال لقاءاته في الإمارات، التي كان يتم خلالها وضع ترتيبات وتفاصيل الانقلاب، بمشاركة قيادات «جبهة الإنقاذ»، لم يأمن هو الآخر من لعنة الدم، إذ تم احتجازه بعدما تم ترحيله من الإمارات في أعقاب إعلانه الترشح لانتخابات الرئاسة الماضية في مواجهة السيسي، قبل أن يضطر أمام التنكيل به واحتجازه وبناته الثلاث إلى أن يعلن التراجع عن تلك الخطوة، لينتهي به الحال معزولاً في مسكنه بالقاهرة.
أما في مقدمة السياسيين فيأتي الناشط السياسي حازم عبد العظيم، الذي لم يشفع دعمه المطلق للانقلاب العسكري، في لحظة من اللحظات، وتأييده للمجازر بحق أنصار مرسي. ووصل عبد العظيم إلى درجة كبيرة من القُرب للنظام الحالي، حتى أصبح مسؤول الشباب في الحملة الانتخابية المركزية لعبد الفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة 2014، ثم اكتشف زيف وعود السيسي أمام القوى السياسية التي دعمته وبعد أن اكتشف عبد العظيم حجم الخديعة التي تعرّض لها، بدأ في توجيه الانتقادات للنظام الحالي بقيادة السيسي، حتى أعلن تبرّؤه التام من دعمه له في «مرحلة من تاريخ مصر»، لتبدأ الحرب عليه من جانب الأذرع الإعلامية التي يديرها مدير الاستخبارات الحالي، اللواء عباس كامل، ويتم اتهامه تارة بالعمالة لإسرائيل، وتلقي أموال مشبوهة من الخارج، لينتهي به الموقف الحالي أمام تهمة الانضمام إلى جماعة أُنشئت على خلاف القانون، وهو نفس الاتهام الذي يوجَّه إلى أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
النموذج الثاني لذلك تمثّل في الكاتبة الصحافية غادة الشريف، صاحبة النداء الشهير «يا سيسي انت تغمز بعينك بس»، التي أعلنت دعمها التام لأي دعوات لتأييد السيسي في أي أمر أو مطلب. ففي 25 تموز 2013، وقبل ساعات قليلة من «جمعة التفويض في الدم» التي دعا السيسي إليها لمواجهة أنصار مرسي، كتبت الشريف مقالاً بعنوان «يا سيسي انت تغمز بعينك بسّ»، قالت خلاله: «طالما السيسي قال لنا ننزل يبقى هننزل... بصراحة هو مش محتاج يدعو أو يأمر، يكفيه أن يغمز بعينه بس».
وتحولت غادة الشريف من داعمة للسيسي في استباحة دماء معارضيه، إلى متهمة باتهامات جنائية من النظام الذي دعمته، بعد منعها من الكتابة في صحيفة «المصري اليوم»، وحاصرها في منزلها وعملها.
ولم ينتهِ الأمر عند القوى السياسية التي خططت مع قيادة المجلس العسكري للانقلاب على الرئيس مرسي، والترحيب بدعوة السيسي إلى التظاهر دعماً لفض الاعتصامات في 27 تموز 2013، تحت مسمى «جمعة التفويض»، عند حد الملاحقة القضائية والتشهير الإعلامي بهم، بل وصل الأمر إلى أن استخدم السيسي ونظامه سلاح «البلطجية» ضدهم، عندما دفع بعدد من المسجلين الخطرين لمهاجمة إفطار نظّموه في النادي السويسري بمنطقة إمبابة، خلال رمضان الماضي، ليُحدثوا إصابات بعدد منهم، في مقدمتهم رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران. وكان من بين الحضور في هذا الإفطار، عدد من الرموز السياسية التي كانت تجاهر بدعم الانقلاب، وفي مقدمتهم الدكتور عبد الجليل مصطفى، الذي شغل في أعقاب الانقلاب عضوية الحملة الانتخابية المركزية للسيسي في انتخابات 2014 الرئاسية.}