العدد 1432 / 14-10-2020
بشار طافش

مصر كبلد عربي كبير وعظيم بشعبه الذي قدم التضحيات في سبيل كل العرب وفي سبيل جارته فلسطين ها هو يدخل نفق مظلم جديد بفضل تصرفات لا يمكن وصفها إلا بالغباء الشديد، بعد الجريمة البشعة التي نُفذت في الأقصر الأربعاء الفائت حين ذهبت قوة من رجال الأمن الملثمين والمدجحين بالأسلحة المختلفة لاعتقال شاب شارك في مظاهرات ضد الفقر والغلاء وتردي الأحوال المعيشية والحقوقية وانعدام الحريات وهدم البيوت والمساجد، حين اعتدى ضابط أخرق ضمن القوة على والد الشاب المسن بأن صفعه على وجهه ووجه له إهانات لفظية شديدة، وهذا يعتبر إهانة بالغة جدا في الصعيد، الأمر الذي أثار حمية الشاب الإبن، عويس الراوي، فرد على الضابط بأن صفعه بدوره على وجهه فبادر الأخير بإطلاق عدة رصاصات عليه وأرداه قتيلا على الفور.

قبل ثلاثة أشهر من الآن حين قُتل جورج فلويد بأمريكا خنقا تحت ركبة ضابط أمريكي وقام الشعب الأمريكي ولم يقعد احتجاجا على مقتل فلويد قامت حكومة الولايات المتحدة باعتقال الضابط المجرم الغبي وتقديمه إلى المحاكمة فوراً بتهمة القتل العمد لامتصاص غضب الشارع الأمريكي وللحفاظ على الإرث الديموقراطي الذي يحاول بعض البيض المتطرفين النيل منه في ظل إدارة دونالد ترامب المثيرة للجدل.في بلد عربي كبير مثل مصر للأسف الشديد لم نرى أي تعليق من تلك الأبواق الإعلامية التابعة لمؤسسة الحكم وللمخابرات وهي تناقش أو حتى تعلق على هذه الحادثة المأساوية، ولم نقرأ أي بيان وقد صدر عن مؤسسة الشرطة والأمن العام بيان توضح للشعب المصري ما الذي جرى بالضبط أو حتى تعتذر عن هذا الفعل المشين المخجل بحق منتسبيها ومسؤوليها كما يحصل في البلاد المحترمة، هل هي رسالة إلى الشعب المصري بأنه صغير جدا في نظر هذا النظام ومؤسساته الأمنية والعسكرية المستهترة بحياته، أم هي رسالة إلى الشعب بأن يثور الآن ويحرق البلد إرضاءً للأعداء المتربصين بالشعب المصري العظيم؟ لا نعلم حقيقة ما معنى هذا التعتيم سوى أنه تصرف أخرق من مسؤولين لا يجب أن يكونوا مسؤولين أصلاً.

أسئلة كثيرة تراودنا صراحة، أين هذا الضابط المجرم، وماذا يفعل الآن، هل يتلقى إتصالات الطمأنة من مرؤوسيه عن فعلته الشنيعة أم ماذا، هل ما زال على رأس عمله ويتلقى راتب؟ أليس كان مِن أقل الواجب هو اعتقاله وتقديمه إلى المحاكمة العسكرية كما يُقدم المتظاهرين والمحتجين إلى المحاكمات العسكرية المجحفة ويتم إعدامهم بتهم ملفقة؟ ألا يُعتبر ذلك قمة الإستهتار قد تدفع بالشعب المصري في القريب العاجل لإحراق كل شئ؟ ثم إنه أليس من المشروع الآن أن نعتقد بأن هدف هذا النظام هو دفع الشعب المصري دفعاً ليحرق البلد ويحرق كل شئ؟ وإلا كيف يعتقد هؤلاء المسؤولين أن التعتيم على مثل هذه الجرائم ما زال فَعَّال في ظل وجود الهواتف الذكية ووسائل التواصل الإجتماعي، أليس ذلك أغرب من الخيال ؟ ألا يكفي أن الشعب المصري ما زال يضع الملح على الجرح وصابر وساكت بعد تهجير أهل سيناء وهدم منازلهم وتحويل شعب كامل هناك إلى إرهابيين يتم تصفيتهم بدم بارد ، وبعد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وبعد التردي المخزي والمذل لأحوال معيشته، وبعد سد النهضة وتعطيشه، ثم تأتي جريمة بشعة تنال من كرامته بشكل مباشر وهو الأمر الذي حتى وإن صبر المصري على الجوع والعطش فإنه لن يصبر هذه المرة على الإهانة والذل والمساس بكرامته؟ فحذار حذار من القادم الذي إن حدث وأتى فإنه سيكون أمر بالغ السوء إلى حد لن يتصوره أحد.