فهمي هويدي

 منذ مُنع دخول الصحفيين إلى سيناء، وطُلب منا أن نتابع ما يجري من خلال البيانات الرسمية وتصريحات المتحدث العسكري، فإننا لم نفهم شيئاً مما يجري فيها. وكانت النتيجة أنها صارت لغزاً دموياً عصياً على الحل. ذلك أنه لم يعد يمر أسبوع دون أن نطالع في البلاغات أخبار الاشتباكات والتفجيرات التي يسقط فيها الضحايا من الجنود والأهالي والإرهابيين. وفي غيبة المعلومات، فقد ترجمت الأحداث إلى أرقام للضحايا تطل علينا بين الحين والآخر. وإزاء استمرار العمليات طوال السنوات الثلاث الأخيرة بوجه أخص، فإن ذلك أعطى انطباعاً بأننا إزاء حرب لا نهاية قريبة لها، حتى قرأت في الآونة الأخيرة دعاءً ورجاءً تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي لسيناوي قال فيه: «اللهم إننا استودعناك سيناء وأهلها، فاحفظها واحفظ أهلها بما تحفظ به عبادك الصالحين. اللهم احقن الدماء واجعل الغمّة تزول عن بلادنا»، وهو ما ذكرني بمسيرات السوريين الذين شاع بينهم القنوط حين ضجوا بحجم القصف والبراميل المتفجرة، فخرجوا إلى الشوارع منادين: ما إلنا غيرك يا ألله.
يوم الاثنين الماضي هوجمت ثلاثة مكامن للشرطة في مدينة العريش، الأمر الذي أدى إلى استشهاد ثمانية مجندين وقتل عشرة من الإرهابيين. وفي مساء اليوم ذاته أثير الموضوع في البرنامج التليفزيوني الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب، فتدخل الرئيس السيسي معلقاً، ومما قاله إن المعركة ضد الإرهاب مستمرة وإن الجيش حشد في سيناء ٤١ كتيبة عدد أفرادها يصل إلى ٢٥ ألف مقاتل، وذلك غير الشرطة بطبيعة الحال. وكان الرئيس قد ذكر في يوم ٣ حزيران ٢٠١٦، بمناسبة مرور سنتين على توليه السلطة، أن نشاط الإرهابيين يتركز في منطقة محدودة في الشمال، تقع بين حدودنا مع غزة إلى جانب العريش، وهي تمثل ما بين ٢ و٣٪ فقط من سيناء.
استنتجت أن ذلك العدد الكبير من مقاتلي القوات المسلحة لا يؤمِّن فقط ذلك الشريط الواقع في الشمال الذي ينشط فيه الإرهابيون، ولكنه يؤمِّن شبه جزيرة سيناء كلها. مع ذلك ظل السؤال قائماً: طالما أن مسرح العمليات محدود فلماذا لم تنجح عملية تطهيره من الإرهابيين طوال السنوات الثلاث الماضية؟ اتكأت على ما ذكره الرئيس وحاولت أن أستكمل الصورة من بعض الخبراء المقيمين في العريش، الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، (فسّر ذلك أحدهم بقوله إنه في دائرة الخطر)، خلاصة ما قالوه كالتالي:
- إن الصورة ملتبسة في وسائل الإعلام المصرية، لأن مسرح العمليات اختلف في الوقت الراهن، حيث تراجع نشاط الإرهابيين بعد تأمين القوات المسلحة للشريط الممتد بين مدينتي رفح والشيخ زويد، لذلك فإنهم اتجهوا إلى العريش التي اعتبروها حلقة أضعف، إذ تؤمنها الشرطة وليس القوات المسلحة، التي تتمتع بقدرة قتالية عالية. ولأنهم لم يجدوا حاضنة شعبية لهم في ما بين رفح والشيخ زويد، فقد اعتبروا أن الكثافة السكانية بالعريش بيئة يمكن أن تساعدهم على التخفي وتوفر لهم الغطاء الذي ينشدونه، لذلك فإنهم توقعوا أن تظل العريش مستهدفة طوال الأشهر المقبلة. عبّر عن ذلك أحدهم حين كتب تغريدة قال فيها إن ٢٠١٧ ستكون سنة صعبة على العريش.
- على الجملة، يمكن القول بأن العمليات الإرهابية تراجعت بعد تطهير المستطيل الذي يضم رفح والشيخ زويد. أسهم في ذلك تشدد حركة حماس في عملية التأمين، الأمر الذي أضعف حركة الإرهابيين ما بين غزة وسيناء. وقد ردت مجموعاتهم التي تعمل تحت اسم «ولاية سيناء» على إجراءات حماس المشددة بمحاولة قطع الطريق على حركة التجارة بين سيناء والقطاع، التي تتم عبر الأنفاق المؤمّنة.
- صار معلوماً أن حملة مكافحة الإرهاب نجحت في القضاء على مسؤول «ولاية سيناء» الذي عرف باسم أبو دعاء الأنصاري، الذي كان من أبناء سيناء. وهو ما أكدته صحيفة «النبأ» التي يصدرها تنظيم داعش، وأعلنت الصحيفة لأول مرة اسم القائد الجديد الذي قيل إن اسمه أبو هاجر الهاشمي، ويرجح أن يكون من غزة (التي تعرف بأنها غزة هاشم نسبة إلى هاشم بن عبد مناف جد النبي [ الذي مات فيها). وقد اعتبر الرجل وجماعته أن حماس مرتدة والإخوان كفار، وأطلق تهديداته باستهداف الجميع. وهو ما يعني أن ثمة معركة قادمة بين عناصر «ولاية سيناء» وكتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس.
لا أعرف ما إذا كان ما سبق قد حل اللغز أو لا، لكني أتمنى أن يكون قد ألقى ضوءاً على بعض جوانبه.