العدد 1419 / 1-7-2020
حازم عياد

توتر موسمي تشهده الحدود السودانية الإثيوبية, يتزامن مع موسم الامطار وتنقل الرعاة بين البلدين، تنشب بفعله مواجهات مسلحة بين القبائل في كل عام من نفس الشهر تقريبا، غير أن المواجهات هذا العام كانت مختلفة؛ إذ شاركت المدفعية الإثيوبية بقصف مباشر لمعسكر الأنفال في ولاية القضارف السودانية، لتتبعه بهجوم مليشيا قبلية، بمشاركة جنود من الجيش الإثيوبي تصدت له القوات السودانية، ليعلن والي القضارف اللواء نصر الدين عبد القيوم عن تصدي الجش للهجوم وإحباطه.

الجيش السوداني عمد الى التقليل من شأن الحادثة باعتبارها حادثة موسمية، في حين أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أعلن أن المواجهات الحدودية لن تؤثر في علاقات بلاده بالسودان، لتمر الحادثة دون تبعات خطيرة، أو تصعيد سياسي وعسكري، فهل انتهت الرواية عند هذا الحد أم إن فيها تفاصيل وأحداثًا لم تُروَ بعد؟!

فالحادثة الموسمية لم تعد مرتبطة بحركة الرعاة ونزول الامطار فقط بعد أن ارتبطت بملء سد النهضة، واستثمار موسم الامطار لتحقيق ذلك، وهي إضافة نوعية تمتد آثارها إلى أبعد من ولاية القضارف، والحدود السودانية الإثيوبية نحو وادي النيل والقاهرة.

مشاركة الجيش الإثيوبي بتقديم الإسناد المدفعي للمهاجمين لم تكن حدثًا عابرًا؛ لتزامنه مع اقتراب موعد ملء سد النهضة الإثيوبي بدون اتفاق مع السودان ومصر؛ ما دفع القاهرة للجوء إلى مجلس الأمن، والدعوة إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب الثلاثاء 23 حزيران الحالي؛ فالحادثة اتخذت دلالات جديدة للضغط على السودان، ممثلًا برئاسة الحكومة، والمجلس السيادي الذي يواجه تحديات اقتصادية متنامية بتأثير من العقوبات الأمريكية، وتداعيات وباء "كورونا" الاقتصادية والصحية، فدفعت الحكومة والمعارضة لإطلاق منافسة صاخبة لمليونية في 30 حزيران تتنازعها قوى التغيير والقوى المناهضة لها، موحية بأزمة سياسية مقبلة تعيد البلاد إلى نقطة الصفر حيث أُطِيح بالرئيس السوداني السابق عمر البشير.

إثيوبيا لا تتحرك في فراغ، فهي تدرك أزمة الخرطوم الداخلية والدولية، وتتابع تطورات المشهد الاقتصادي في مصر، وتطورات المشهد في ليبيا، وسقوف القاهرة الفلكية في سرت؛ ذلك أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أدرك قيمة الفرصة، ليعلن نية بلاده مراجعة إستراتيجيتها الدفاعية، مترافقًا مع إعلان وزير خارجيته أن بلاده ماضية في ملء السد رغم الاعتراض المصري.

إثيوبيا بين يوم وليلة تحولت الى القوة الإقليمية الأولى في وادي النيل وشرق إفريقيا من خلال التحكم بنهر النيل، وابتزاز القاهرة والخرطوم لتمرير سياساتها المائية، وإكراه مصر والخرطوم والعرب من خلفهم على التعامل معها كقوة إقليمية، محولة النيل إلى رهينة وأداة سياسة لفرض شروطها، وتعزيز مكانتها.

فإذن؛ تحولت إثيوبيا بين ليلة وضحاها إلى "هبة سد النهضة"! أو هبة النيل الجديدة. فهل تستعيد مصر النيل أم إن الأوان قد فات على القاهرة؟.